قارئ الصمت: يفهم الأشياء التي لاتتكلم
مهدي عبدالله التميمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مهدي عبدالله التميمي

ليست مجرد ساعة بندول اشتريتها من متجر "سجاد"
إذ لم يكن الأمر مصادفة، بل عشق قديم، يتجدد مع كل هزة بندول.
كاني في حضور امام سادن الماضي، وسفير الزمن الجميل
ساعة ، من القرن الماضي
يتوقّف عندها الزمن مُصغيا لدقّاتها...
تدقّ على بوابة الذكريات، برنة " BIG BEN"
يهوم صداها بجدران منزلي، عبر الزمكان للايدي التي صنعتها في ألمانيا كماركة شهيرة لعلها kienzle او junghans
تدقّ كأنها تهدهد العالم في حضن المساء.
كأنها تقول لي: "ما بيني وبينك، هيولا... وعودة إلى زمنٍ متخف بين عقاربي لا يموت."...
إنها.. ليستِ جمادًا ساكنًا فوق رفٍ منسي، او على حائط اصم، بل ذاكرة تنبض بازمان، خلفت في القلب غصة.
ومن حول الساعة، تدور الأكوان القديمة...
ثريّا تتدلّى من السقف مثل نجمة هوت من زمن الملوك،
وگرامافون بصوته المشوّش الحنون، يصرّ كأنه يجرّ الحنين من قلب الإبرة إلى أذنيّ.
"صندقچة" لطالما احتفظت بأسرار او مكاتيب او ادخارات لوقت الضيق.
أكواب شاي رقيقة مصنوعة من زجاجٍ رقيقٍ كالعطر، كانها جوار تحوط "قوري" يزهو. بنقوشه، مثل امير يتسربل بقفطان من زجاج، وهو يرنو الى سماور فضي "عرش الضيافة" الذي يبخّر نكهة المكان، ويجعل من تحضيره طقسًا مميزا
ليصبّ الحنين، قطرة قطرة.
طبلاتٌ قديمة... مناضد لم تعد تُصنع، تفض منحنياتها خطوط الزمن المتفرعة، الممتزجة ب"دملوك" يحيي اوردتها لتنبثق همسات ضيوف جاءوا ورحلوافي عروقها.وخلفوا افراحهم بصواني مهر و شموع "اعتلگت"
تحيطها كراسٍ خشبية... جلس عليها افندي او خاتون وربما نساء انيقات، او شابات تشربت خدودهن بفرح ممزوج بحياء
بايام القيظ... كم تابعت حركاتها حتى غفوت في ساعة قيلولة....
وكان عداد الزمن يطوف بريشها
انها مروحة سوني او توشيبا المنضدية،
تمرّ على وجهي بأنفاسها وهي تعزف للصيف البطيء، موسيقى الظهيرةٍ.
كل قطعة "أنتيكا"، في ذلك الركن ب"حي اور" تقاوم الزمن.
هي نبض يمكن ان يجسه من يشأ ان يقتني مايثير في النفس حنين.
هي حكاية صامتة لا تُسمع إلا بأذن القلب،
هي فنٌّ بحد ذاتها...
لا تصدأ، بل تزدهر مع الوقت،
لأنها تنتمي إلى زمنٍ كان الإنسان فيه أوضح، أعمق، وأصدق.
الأنتيكا ليست تحفًا...بل استعادة لزمن عاش فيه النور بهدوء،
دقّة الساعة لا تزعج، بل تؤنس.
ومزلاج الباب الذي ينبئ بمجئ اب متعب..
يتناغم مع الرنة الرتيبة ل "هاون يدگ" يفوح ب" الهيل" او القرنفل.
ينسجم مع سنطور" شعوبي" بإسطوانة گرامافون " جقماقچي"
وكسرات صوت " يوسف عمر" بكاسيت مسجل " سوني"
انها "رسالة للولف" من " هيفاء حسين"، يوصلها راديو فيلبس.
بدفء لا يعرفه البث الرقمي، ووسائل الملتي ميديا الحالية.
كأنك تسمع صوتَ عاشقة تهمس لك بحبها " قطعة من الگلب والله لسويها"
انه "عبق الماضي"
الساعات البندول، ساعات الكوكو، الراديوات، الريكوردر، السماور، النحاسيات، الفوانيس الزيتية... روح الزمن الجميل، أيام كانت فيها الأشياء تصنع بحرفية وحب، لانها تلامس ارواحنا.
كل قطعة أنتيكا، هي لحظة متجددة من زمن جميل،
شاهدٌ صامت على طقوسٍ أُحبِطَت، وأيادٍ رحلت، وموسيقى كانت تسكن الجدران.
من ينظر إليها بعين القلب، يرى أكثر من معدنٍ وخشب، يرى الوجود حيا، على جدار الزمن.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat