الانسحاب الانتخابي يتسع في العراق.. أزمة ثقة تضرب جوهر النظام السياسي

كتابات في الميزان / يكشف تصاعد الانسحاب الانتخابي من القوى السياسية العراقية، بما فيها التي أسّست النظام بعد 2003، عن انهيار الثقة بإمكانية التغيير عبر صناديق الاقتراع، وسط مشهد يهيمن عليه المال السياسي والسلاح، ويعكس فشلًا بنيويًا في مسار العملية الديمقراطية.

من المؤشرات المهمة التي تعكسها الانسحابات من الانتخابات المقرر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل، هي انسحاب القوى التي طالما اعتبرت نفسها من المؤسسين للنظام الجديد في البلاد، وهو ما يعكس فشل التجربة القائمة وحاجتها إلى تغييرات وإصلاحات جذرية وحقيقية بعيدا عن الشكلية التي تتحدث بها الطبقة السياسية الحاكمة منذ سنوات.

وخلال الأسبوع الأخير، أعلن تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي الانسحاب من الانتخابات البرلمانية احتجاجاً على دور المال السياسي وغياب الضوابط المانعة لتوظيفه في هذه العملية الديمقراطية.

كما قررت بعض القوى المستقلة والتي لا تحظى بدعم الكتل الكبيرة والمتنفذة عدم المشاركة في الانتخابات لعدم نزاهتها وقدرتها على تحقيق تطلعات الجماهير في التغيير والإصلاح والتنمية والخدمات.

وجاء ذلك بعد أشهر من قرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مقاطعة الانتخابات، إذ تشير غالبية التوقعات عدم عدول الصدر عن قراره بسبب ما يصفه هيمنة الفاسدين على القرار في البلاد.

ولم تنفع المساعي التي بذلتها قوى سياسية وحزبية في ثني التيار الصدري عن المقاطعة، وبقي زعيمه مصراً على عدم المشاركة، رغم إلزامه أعضاء تياره تحديث سجلاتهم الانتخابية.

النصر يقاطع الانتخابات

السبت الماضي، أعلن ائتلاف النصر انسحابه من المشاركة في الانتخابات المقبلة، وقال الائتلاف في بيان: إنه “يحيط الرأي العام علماً بأنّه في الوقت الذي يؤمن بالعملية الديمقراطية ورافعتها الانتخابات، وفي الوقت الذي يؤكد بقاءه ضمن تحالف قوى الدولة الوطنية، فإنّه لن يشارك بمرشحين خاصين به، وسيكتفي بدعم من يراه صالحاً وكفوءاً ضمن مرشحي التحالف”.

وأضاف: أن “ائتلاف (النصر) يرفض إشراك مرشحيه بانتخابات تقوم على المال السياسي وتفتقد إلى الحزم بفرض الضوابط القانونية المانعة من التلاعب وشراء الأصوات، وتوظيف المال العام والمال الأجنبي واستغلال موارد الدولة”، مبيناً أن “مصداقية الكيان السياسي وأخلاقياته مرتبطة بسلوكه السياسي، وسلوكه السياسي هو الذي يحدد وزنه وتأثيره”.

وقال المتحدث باسم الائتلاف، عقيل الرديني: إن “انسحاب ائتلاف النصر من الترشح للانتخابات جاء لأسباب عدة، أولها ما تشهده الساحة السياسية والانتخابية من المال السياسي الموجود في الشارع، وبالتالي لا يستطيع الحزب المحافظ والنزيه الذي لم يمد يده إلى أموال الدولة من المشاركة في هذه الانتخابات”.

وأضاف الرديني: أن “أي مرشح يطلب بما لا يقل عن مليار دينار في سبيل الترشح، وبالتالي لم تصبح هذه الانتخابات التي كان يترقبها العراقيون لصالح العملية السياسية والوضع السياسي العراقي، لذلك قرر ائتلاف النصر عدم الترشح في الانتخابات”.

دعم العملية السياسية

وتابع أن “الائتلاف مع دعم العملية السياسية والديمقراطية في البلاد، والبقاء ضمن تحالف قوى الدولة الوطنية، وربما يتم دعم بعض المرشحين في هذا التحالف، باعتبار أن العملية الديمقراطية هي السبيل الوحيد لإنتاج البرلمان والحكومة، لذلك لا يوجد سبيل آخر غير صناديق الاقتراع”.

ودعا الرديني مفوضية الانتخابات إلى “معالجة ما يجري في الشارع العراقي والساحة السياسية من استخدام المال العام وأدوات ومؤسسات الدولة لصالح أحزاب ومرشحين، ما يضر بالعملية السياسية والديمقراطية، ويضر بمجمل فعاليات البلاد في المرحلة الحالية أو المقبلة”.

المقاطعة توسع محور إصلاح النظام

وعن انسحاب تحالف النصر، يرى مدير مركز بغداد للدراسات مناف الموسوي أن محور إصلاح النظام بدأ بالتوسع من خلال اقتراب الرؤى بين التيار الصدري والنصر بخصوص عدم إمكانية تحقيق الإصلاح من خلال الشراكة مع الفاسدين، فيما حذر من أن بقاء النظام الحالي دون إصلاحات حقيقية سيكون سببا في انهياره.

وقال الموسوي إن “عدم مشاركة الصدر في الانتخابات هي لأسباب أوضحها في أكثر من مناسبة وآخرها في رده على رسالة رئيس الجمهورية للعدول عن قراره، بأنها تعود لوجود الفاسدين واستحواذهم على مفاصل السلطة كافة، وأيضاً عدم شفافية الانتخابات بسبب وجود قانون انتخابي سيء الصيت، وعدم وجود رقابة دولية حقيقية على الانتخابات”.

وأضاف أن، “هناك حديثاً عن رؤوس أموال وشراء ذمم وبطاقات، وهذا أصبح كلاماً علنياً وليس مخفياً، وبالتالي كل هذه إشارات تدل على أن الانتخابات المقبلة إذا تم إجراؤها في الوقت المحدد فهي ستكون انتخابات غير شفافة وغير نزيهة وتشوبها الكثير من الإشكاليات والمحاذير”.

وتابع الموسوي، أن “بقاء النظام السياسي في العراق بهذا الشكل دون إجراء الإصلاحات، قد يكون سبباً في انهياره”.

ولفت رئيس مركز بغداد إلى أن “الانتخابات المقبلة ستعيد إنتاج الفاسدين، وهذا ما دفع التيار الصدري للانسحاب من المشاركة في هذه الانتخابات لعدم القدرة على تنفيذ مشروعه لإصلاح النظام السياسي”.

القوى السياسية القديمة

ونوه إلى أن “الانسحابات لن تشمل القوى السياسية القديمة لوحدها، بل شملت العديد من القوى الناشئة، لأنها بدأت تشعر بعدم وجود رغبة حقيقية لإجراء انتخابات نزيهة تسمح لهم بالمشاركة ووصول مستقلين أو كفاءات لمحاولة إجراء تغيير على النظام السياسي والأعراف سيئة الصيت التي تتبعها بعض الكتل والأحزاب”.

كما انسحب تيار الخط الوطني، التابع لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، متهما الطبقة السياسية بإعادة إنتاج نفس المعادلات الفاشلة منذ 2003، بالإضافة إلى شخصيات مستقلة ومرشحين داخل تحالفات كبرى مثل العزم بزعامة مثنى السامرائي.

حدث دولي مرتقب دفع العبادي للمقاطعة

غير أن الباحث والمحلل السياسي مجاشع التميمي يقرأ موضوع انسحاب العبادي من الانتخابات المقبلة إلى حدث دولي يخص العراق من المتوقع حدوثه في الفترة المقبلة.

وقال التميمي : إن “انسحاب العبادي لا يرجع سببه إلى المال السياسي والفساد في الانتخابات، وإنما لتطور وحدث دولي من المتوقع حدوثه في العراق على خلفية الحرب الدائرة بين الكيان الإسرائيلي وإيران”،

متوقعا أن “تكون جهات دولية من سربت تلك المعلومات للعبادي ودفعته نحو العدول عن قرار المشاركة في الانتخابات ولا سيما أنه إلى الأيام الأخيرة كان عازما على المشاركة”.

انسحابات القوى المستقلة

بالتزامن مع ذلك، أعلنت حركة “توازن” المستقلة والتي تضم نخبا أكاديمية واجتماعية من مدينة الموصل عدم خوض الانتخابات البرلمانية لعدم قدرتها على تحقيق التغيير في ظل سيطرة المال السياسي والسلاح على المشهد العراقي.

وقال الأمين العام للحركة منهل الغريري : إن” أسباب الانسحاب تتمثل في غياب بيئة انتخابية نزيهة وهيمنة المال السياسي والوظيفة الحكومية على خيارات الناخبين، وضعف النظام الانتخابي الحالي وعجزه عن تحقيق التغيير الحقيقي، واستمرار عدم الاستقرار الإقليمي والدولي وتأثيره على الداخل العراقي، إلى جانب الاستجابة للمشاورات مع جمهور الحزب وأهالي الموصل الرافضين لواقع الانتخابات.

وأضاف الغريري، أن “هذا القرار هو رسالة لجمهور الموصل بأن حركة توازن نعدها أحد الممثلين الحقيقيين للموصل وأهلها وسنتخذ الموقف الذي يتلاءم مع رغباتهم في أي وقت بعيد من أي مغريات أو رغبات شخصية”، حسب تعبيره.

فقدان الثقة

وتشهد الانتخابات العراقية في كل مرة، مقاطعة كبيرة من الناخبين، إذ تتراوح نسب المشاركة في الانتخابات البرلمانية والمحلية خلال السنوات الأخيرة ما بين 40 – 17% من الناخبين، وهو ما يظهر انعداما لثقة الشارع العراقي في العملية الانتخابية برمتها.

وفقد الجمهور العراقي الثقة بالانتخابات بعد مشاركة واسعة في انتخابات 2010 والتي شهدت مشاركة أكثر من 70% من الناخبين، غير أنه تم الانقلاب على نتائجها عبر بدعة تفسيرات المحكمة الاتحادية للكتلة الكبرى، والتي تسببت بإبعاد ائتلاف العراقية حينها بزعامة إياد علاوي عن رئاسة الحكومة، ومنح نوري المالكي حق تشكيل الحكومة لولاية ثانية.

الانتخابات وسلاح الفصائل

كما زاد دخول الفصائل المسلحة على خط الانتخابات منذ العام 2018، من فقدان الثقة بالانتخابات كما يرى الناشط السياسي أحمد الشمري.

وقال الشمري، إن “الجميع بات يدرك أن الغرض من بقاء الفصائل المسلحة والحشود واتساع أعداد مقاتليها هو لضمان الحصول على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات”،

مبينا أن “ذلك يتم بواسطة إرغام أكثر من 300 ألف مقاتل في تلك الحشود على التصويت لمرشحين محددين، إضافة إلى إجبار كل مقاتل على تقديم 10 – 15 بطاقة انتخابية خاصة بعائلته من أجل استخدامها في دعم مرشحي تلك الحشود”.

ولفت الناشط الشمري إلى أن “الجمهور العراقي يدرك جيدا أنه لا جدوى من الانتخابات، وأن من يمتلك المال السياسي والسلاح هو الوحيد القادر على الفوز في الانتخابات العراقية”.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/07/02



كتابة تعليق لموضوع : الانسحاب الانتخابي يتسع في العراق.. أزمة ثقة تضرب جوهر النظام السياسي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net