نبذ الاشاعة في القرآن الكريم (ح 3)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: قوله جل جلاله "الذين يحبون أن تشيع الفاحشة " (النور 19) أي يشيعونها عن قصد إلى الإشاعة ومحبة لها، وفيها دلالة على أن العزم على الفسق.
جاء في موقع قاف للأنباء القرآنية عن موقف القرآن الكريم من الإشاعة: - ماذا تعني كلمة إفك؟ كلمة ( الإفك ) يقصد بها كل شيء مصروف عن وجهه الذي يحق له أن يكون عليه، ثم أطلقت على كل كلام منحرف عن الحق، ومن ذلك يطلق على الكذب (إفك)، ويرى الطبرسي في (مجمع البيان) أن الإفك لا يطلق على كل كذبة، بل الكذبة الكبيرة التي تبدل الموضوع عن حالته الأصلية، ومن هذا نفهم أهمية الموضوع الذي تناولته الآيات. - من الذي بدأ الإشاعة؟ الآية الأولى في البحث: "إنَّ الذين جاؤوا بالإفك عصبةٌ منكم لا تحسبوه شراً لكمْ بل هو خيرٌ لكم لكلِّ امرئٍ منهم ما اكتسبَ من الإثمِ والذي تولّى كبْرهُ منهم له عذابٌ عظيم" (النور 11) تذكر الآية أن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم، وكلمة العصبة مشتقة من العصب، وجمعها أعصاب، وهي التي تربط عضلات الجسم بعضها مع بعض على شكل شبكة منتشرة في الجسم، ثم أطلقت كلمة عصبة على مجموعة من الناس متحدة وذات عقيدة واحدة، واستعمال القرآن لهذه الكلمة يكشف عن الارتباط الوثيق بين المتآمرين المشتركين في ترويج حديث الإفك حيث كانوا يشكلون شبكة قوية منسجمة ومستعدة لتنفيذ المؤامرات. وقال بعض: إن هذه المفردة تستعمل في عشرة إلى أربعين شخصاً، إن القرآن يريد أن يبين أن اختلاق هذه الكذبة العظيمة كان عملاً مقصوداً يرمي إلى الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاك حرمته، وعلى كل حال فإن القرآن هدّأ روع المؤمنين الذين آلمهم توجيه هذه التهمة إلى شخصية مطهرة بقوله: "لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم" (النور 11)، فالمروجون لحديث الإفك لم يحققوا النتائج التي سعوا إليها، بل إن هذه القصة - رغم مرارتها - كشفت عن حقيقتهم وعدائهم المستور، ولو لم تكن هذه الحادثة ؛ لما افتضح أمرهم بهذا الشكل، ولكانوا أكثر خطراً على المسلمين، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذا الحادث علّم المسلمين أن عليهم الوقوف أمام مروّجي الإشاعة بقوة وحزم، وأن لا يسمحوا للعدو أن يستغلهم كأداة إعلامية يمرِّر من خلالهم أكاذيبه ومؤامراته، كما علمهم درساً آخر وهو النظر إلى الجوانب الإيجابية حتى في الحوادث المؤلمة. الجميع مشترك في المسؤولية: ثم تعقب هذه الآية بذكر مسألتين: أولاهما: لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم إشارة إلى أن المسؤولية الكبرى وإن كانت تقع على عاتق كبار المذنبين إلا أن هذا لا يعني أن الآخرين لا يحملون جزء من هذه المسؤولية. والمسألة الثانية: والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم قال بعض المفسرين: إن المقصود هو (عبد الله بن أبي سلول) قائد أصحاب الإفك، أو أشخاص غيره ذُكروا كمصاديق لهذا الخطاب، وعلى كل حال فإن الذي نشط في هذا الحادث أكثر من الآخرين، وأضرم نار الإفك هو قائد هذه المجموعة الذي سيعاقب عقاباً عظيماً لكبر ذنبه.
جاء في موقع هيئة علماء فلسطين عن احذروا الشائعات للكاتب صلاح نجيب الدق: اليهود ينشرون الشائعات عن الله تعالى: اعتاد اليهود نشر الكثير من الشائعات حول الله تعالى. (1) قال سبحانه: "لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ (آل عمران 181). (2) قال تعالى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (المائدة 64). (3) قال جل شأنه: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" (المائدة 18). (4) قال سبحانه: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" (التوبة 30). (5) قال سبحانه: "وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (البقرة 111). المشركون ينشرون الشائعات حول القرآن الكريم: (1) قال تعالى: "وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (آل عمران 78). (2) قال سبحانه: "وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ" (الأنفال 31).
جاء في موقع الالوكة الشرعية عن خطورة الإشاعة في القرآن والسنة والتأريخ، والتعامل الشرعي معها للشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري: أنَّ كَثْرةَ الكلامِ تُكْثِرُ مِن سَقَطاتِ اللِّسانِ، والمُسلِمُ مأمورٌ بالصِّدْقِ في حديثِهِ وكلامِهِ، والتَّثبُّتِ من كلِّ ما يَقولُهُ أو يَنقُلُهُ، حتَّى لا يَقَعَ في الكَذِبِ، قال نبينا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (كَفَى بالْمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ)، وقال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات 6)، قال الشوكانيُّ: (والْمُرَادُ مِنَ التَّبَيُّنِ: التَّعَرُّفُ والتَّفَحُّصُ، ومِنَ التَّثَبُّتِ: الأَنَاةُ وعَدَمُ الْعَجَلَةِ، وَالتَّبَصُّرُ فِي الْأَمْرِ الْوَاقِعِ، وَالْخَبَرِ الْوَارِدِ حَتَّى يَتَّضِحَ وَيَظْهَرَ). والْمُتأمِّل في الكتاب والسُّنة، وفي التاريخ بشكل عام، يعلم يقينًا ما للشائعات من خطرٍ عظيم، وأثرٍ بليغ، فالشائعاتُ تُعتبرُ مِن أخطرِ الأسلحةِ الْمُدِّمرة للمجتمعات والأشخاص، فكم أقلقت الإشاعات مِن أبرياء، وهدمت وشائج، وتسببت في جرائم، وفككت من صداقات، وكم هزمت من جيوش، وأخَّرت من سير أقوام؟ بل إن ما واجهه النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك، هو حدث الأحداث في تاريخه عليه الصلاة والسلام، فلم يُمكر بالمسلمين مكرٌ أشدُّ مِن تلك الواقعة، وهي مجرَّدُ فِرْيةٍ وإشاعةٍ مُختلَقَةٍ بيَّن الله في كتابه كذبها، لكنها لولا عناية الله لكانت قادرة على أن تعصف بالأخضر واليابس، ولا تُبقي على نفس مستقرةٍ مطمئنة، ولقد مكث مجتمع المدينة بأكمله شهرًا كاملًا وهو يصطلي نار تلك الفِرية، ويتعذب بتلك الإشاعة الفاجرة، حتى أنزل الله آياتٍ في تبرئةِ أُمِّ المؤمنين رضي الله عنها، فكان في ذلك دروسًا تربوية رائعةً لكلِّ مجتمعٍ مسلمٍ إلى قيام الساعة، وصدق الله: "لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُم" (النور 11)، وقد وقع للمسلمين في العهد الأول شائعات كان لها آثار سيئة، منها الشائعة التي انتشرت أن كفار قريش أسلموا، وشائعة قتل النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد. إن الذي ينبغي عليك عند سماع الإشاعات: أولًا: أنْ تُحسنَ الظنَّ بأخيك المسلم، وأنْ تُنزلَ أخيك المسلم بمنزلتك، قال تعالى: "لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ" (النور 12). ثانيًا: أن تطلُب الدليل، قال تعالى: "لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ" (النور 13). ثالثًا: أن لا تحدث بما سمعته ولا تنشره، فإن المسلمين لو لم يتكلَّموا بمثل هذه الشائعات لماتت في مهدها، ولم تجد من يحيها إلاَّ مِن المنافقين، قال تعالى: "وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا" (النور 16). رابعًا: أن تَرُدَّ الأمر إلى ولاةِ الأمور، ولا تُشيعه بين الناس أبدًا، وهذه قاعدة عامَّة في كُلِّ الأخبار المهمَّة، قال تعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا" (النساء 83). خامسًا: الحذر من المنافقين، قال تعالى: "لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" (التوبة 47).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat