من مهرجانات الإبداع إلى حفلات الترويج للسيليكون من يقف خلف مسخ بغداد!
راجي سلطان الزهيري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
راجي سلطان الزهيري

نشاط لافت في الحركة الثقافية والفنية والاكاديمية تشهدهُ العاصمة العراقية بغداد في الآونةِ الاخيرة، حيث باتت تستضيف عدداً متزايداً من المهرجانات والندوات والفعاليات المتنوعة التي تتناول الأدب والفن والمسرح والموسيقى وحتى السينما والتلفزيون. هذا الحراك بحد ذاته يُعدّ مؤشراً إيجابياً على محاولات جدية لإعادة بغداد إلى مكانتها الثقافية والتاريخية كمنارة للإبداع والفكر العربي.
غير أن هذا المشهد الذي يبدو مُبشّراً من بعيد يحمل عن قرب في طيّاته تساؤلات وقلقاً مشروعاً من الداخل خاصة مع تنامي ظاهرة تكريم وتصدير شخصيات لا علاقة لها بايِ منجزٍ فني او ثقافيّ غير الاستعراض الجسدي أو ظهورها السطحي المُدان بمحتواه وفكرته على شاشات وسائل التواصل الاجتماعي.
مهرجانات بمعيار سيليكونيّ!
من الملاحظ أن عدداً من المهرجانات الفنية الحديثة في بغداد بدأت تأخذ منحىً استعراضياً فارغاً من المضمون بل وصل الأمر إلى تكريم وجوه نسائية لم يعرفها الوسط الفني إلا من خلال مسلسل واحد أو ظهور عابر في فيديو كليب أو حتى برامج غير ذات قيمة ثقافية، او حتى بدون تقديم اي محتوى سوى الافكار الهابطة وقد زاد الاستغراب حين بدأت أسماء مغمورة تُمنح دروع الشرف والتقدير لمجرد امتلاكها عدداً كبيراً من المتابعين على "إنستغرام" أو "تيك توك" أو بسبب ما يُروّج له من "جمال" أو "جرأة" في اللباس أو الطرح او الحشو الجسدي.
إن تكريم أشخاص كهؤلاء لا يُعد إساءة للذوق العام فحسب بل إساءة لتاريخ العراق الثقافي والفني الذي أنجب عمالقة في الأدب والتمثيل والموسيقى أفنوا أعمارهم في خدمة الفن الحقيقي دون أن تُمنح لهم مثل هذه المنصات.
تكريم أم تسليع!
الأخطر من ذلك كله أن تتحول المهرجانات من منصات لتكريم الإبداع إلى فضاءات لتسليع الجسد الأنثوي وتكريس صورة المرأة كأداة للعرض والتسويق فقط. حين تُكرَّم امرأة لا لتميّزها الفني أو الأدبي أو الأكاديمي بل لما ترتديه أو تُظهره من مفاتن فإننا أمام انحدار خطير في الذائقة العامة وطمس متعمد لصورة المرأة العراقية المثقفة والمبدعة والمناضلة.
مستحق لا مفتعل
نعم التكريم حق لكل من بذل الجهد وترك أثراً في مجاله سواء كان عراقياً أو عربياً. ولكن أن يُفتح باب التكريم على مصراعيه لمن لا يحمل سوى "شهرة مؤقتة" فذلك يُفقد الجائزة معناها ويُسهم في تشويه صورة بغداد بوصفها عاصمة للثقافة.
على الجهات المنظمة أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والوطنية وأن تضع معايير واضحة وشفافة لاختيار المكرَّمين تحفظ هيبة الفن العراقي وتمنع تسلل الطارئين إلى المشهد.
ختاماً وليس آخيراً
ما يجري اليوم في بغداد يستحق التوقف لا بهدف الإدانة فقط بل من أجل التصحيح والتقويم. بغداد التي أنجبت الجواهري والسيّاب وناظم الغزالي واحتضنت المسرح الجاد والرواية العميقة لا يليق بها أن تُختزل في مشهد استعراضي سطحي.
الوعي مسؤولية جماعية والصمت في مثل هذه اللحظات تواطؤ غير معلن. فلتكن لنا كلمة ولتعد بغداد إلى أهلها الحقيقيين: المبدعين لا المتسلقين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat