اقتصاد العراق يترنح.. الدين يتجاوز 120 مليارًا والتحذيرات تتصاعد
كتابات في الميزان / في ظل اعتماد شبه كلي على النفط، وتضخم النفقات بلا إصلاحات، يدخل اقتصاد العراق مرحلة حرجة تنذر بانهيار وشيك، وسط تحذيرات دولية وصمت رسمي مثير للقلق.
مستقبل سوداوي ينتظر اقتصاد العراق، هكذا كانت خلاصة تقرير صندوق النقد الدولي، الذي أيده النائب رائد المالكي نقلا عن وزيرة المالية طيف سامي، بسبب ارتفاع النفقات وتذبذب أسعار النفط، ووصول المديونية إلى الخط الأحمر، مما ينذر بإقتراب البلاد من الهاوية يوما بعد آخر.
وذكر تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في 20 أيار مايو الجاري، أن الاقتصاد العراقي يسير في مسار بالغ الخطورة، بفعل تضخم النفقات التشغيلية التي تجاوزت 60% من إجمالي الميزانية العامة، وغياب أي إصلاح هيكلي فعلي في سياسة الإيرادات، فيما لا تزال الحكومة تعتمد بنسبة تقارب 92% على عوائد النفط، رغم التراجع المتواصل في أسعاره وتقلّب السوق العالمي.
وأوصى صندوق النقد بضرورة ضبط فاتورة الرواتب المتضخمة التي تستهلك وحدها أكثر من نصف الإيرادات السنوية، معتبراً أن سياسة التوظيف العشوائي ونهج إرضاء الكتل السياسية بالدرجات الوظيفية يدفعان بالمالية العراقية نحو حافة الانهيار.
وقال المالكي إن “الصورة للرشوة الانتخابية وأشكالها قد تغيرت حتى وصلت الى دفع رواتب أشهر مقدما أي اعطيك رواتب من الان الى يوم الانتخابات مقابل أن تروج لي”،
مبينا أنه “يتم استغلال العاطلين عن العمل من خلال إعطائهم رواتب الى يوم الانتخابات للترويج للمرشح الفلاني ومن ثم إغرائه بالتعيين بعد الانتخابات”.
سوء الوضع المالي
وأضاف أن “الوقائع المالي للبلاد سيء جدا، حيث اليوم كنت بزيارة لوزارة المالية والتقيت بالوزيرة وكعادتها تشكو من سوء الوضع المالي”.
وأشار إلى أن “الوزيرة طيف سامي أكدت لي أنه لاتوجد هناك جداول موازنة بسبب العجز المالي، حيث أنها ذهبت إلى محافظ البنك المركزي للاقتراض، إلا أن الأخير لم يسعفها لوصول البلاد إلى الخط الأحمر في المديونية”،
مؤكدا أن “المديونية وصلت إلى 120 مليار دولار تقريبا، وهذا أمر بغاية الخطورة”.
القراءة المتحفظة
وتجاهلت الحكومة حتى اللحظة الرد المباشر على توصيات صندوق النقد الدولي، بينما اكتفت بعض الأصوات المقربة منها بالتقليل من أثر التقرير، ووصفت ما ورد فيه بـ”القراءة المتحفظة وغير الواقعية”، ما أعاد للأذهان ردود الأفعال المشابهة لتقارير مماثلة صدرت في 2016 و2019 وواجهت الإنكار ذاته من حكومات سابقة.
وسبقت تلك التحذيرات موجة انهيارات مالية في العراق منتصف العقد الماضي، حين شهدت البلاد أزمة سيولة خانقة دفعت وزارة المالية عام 2015 إلى تأخير صرف رواتب الموظفين، تزامناً مع تراجع سعر البرميل إلى ما دون 40 دولاراً، وهو سيناريو قد يتكرر مجدداً إن بقيت السياسات على حالها.
وتقاطع هذا الوضع مع تحذيرات داخلية صدرت عن خبراء اقتصاديين عراقيين، من بينهم المستشار المالي السابق للحكومة مظهر محمد صالح، الذي أشار مراراً إلى “غياب الإرادة السياسية لتغيير قواعد اللعبة المالية”، معتبراً أن العجز الهيكلي لا يحل بمسكنات بل بإصلاح ضريبي وزيادة الإنتاج الوطني غير النفطي.
ويعتمد العراق بشكل كبير على صادرات النفط لتمويل موازنته السنوية، إذ تشكل العائدات النفطية أكثر من 90% من إجمالي الإيرادات، ومع تقلب أسعار النفط في الأسواق العالمية، تتأثر الخطط المالية والإنفاق الحكومي بشكل مباشر.
موازنة ثلاثية
وكانت الحكومة قد أقرت موازنة ثلاثية للأعوام 2023 – 2024 – 2025، لكن المتغيرات الاقتصادية العالمية، وارتفاع نسب العجز، دفعت إلى إعادة النظر في جداول موازنة 2025، ما أدى إلى تأخير إرسالها للبرلمان، وسط مخاوف من تأثير ذلك على المشاريع الاستثمارية، ورواتب الموظفين والخدمات الأساسية.
وكان الخبير الاقتصادي، همام الشماع، أكد أن “جداول الموازنة لن تقدم إلى البرلمان إلا بشكل متأخر، لأن العام 2025 هو عام انتخابات، وهذه الجداول ستظهر حجم الإنفاق الذي تصر الحكومة على عدم إظهاره بسبب الخروق”.
وأضاف، أن “الحكومة قد تبرر تأخير الجداول بأنها تدرس إمكانية إعداد موازنة تقشفية، بسبب انخفاض أسعار النفط واحتمالات الركود العالمي، لكن ذلك لا يبرر كل هذا التأخير، فالمبرر الرئيسي لعدم تحويلها هو الحرص على عدم إظهار الخروقات في الموازنة”.
يشار إلى أن مجلس النواب، صوت على مشروع قانون التعديل الأول لقانون الموازنة العامة الاتحادية، وذلك بعد تأجيل دام لعدة جلسات وتحذيرات من أزمة مالية جراء ذلك التعديل.
وتضمن المشروع تعديلا للمادة 12 من قانون الموازنة، والتي تشمل فقرتين، الأولى تتعلق بكلف إنتاج ونقل نفط إقليم كردستان بعد تحديد الكلف التخمينية الحقيقية عبر الهيئة الاستشارية”، فيما نصت الفقرة الثانية، على أنه في حال عدم اتفاق الحكومتين الاتحادية والإقليم على كلف الإنتاج والنقل، فإن وزارة النفط تتولى اختيار جهة لتحديد تلك الكلف، وعلى إثر ذلك يتم احتساب كلفة استخراج النفط من الحقول النفطية في الإقليم.
الجدير بالذكر أن موازنة 2024، لم يتم تنفيذها ولا صرف أموالها لغاية الآن، بالرغم من تحذيرات المختصين بفقدان الثقة في قدرة الحكومة على الإدارة المالية، ويتسبب بإرباك اقتصادي واستثماري وسياسي أيضا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat