آيات قرآنية في كتاب أسرار الصلاة للشيخ جوادي الآملي (ح 6)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في کتاب أسرار الصلاة للشيخ جوادي الآملي: الملائكة: ما قالته الملائكة الَّذين هم عباد مكرمون، لا يسبقون اللَّه في القول، وهم بأمره يعملون، فلا يشاهدون إلَّا معبودهم، حيث قالوا "وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَه ُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا" (مريم 64)، لدلالة هذه الآية الكريمة على أمور: الأوّل: أنّ نزول الملك إنّما هو بأمره الذي إذا أراد شيئا يقول له: كن، فيكون، وحيث إنّ الصعود كالنزول فلا يتصعّدون إلَّا بأمره تعالى. الثاني: أنّ ما تقدّم الملك وسبقه ممّا كان وجوده أي: الملك يتوقّف عليه فهو للَّه تعالى. الثالث: أنّ ما تأخّره ولحقه ممّا كان وجوده أي: الملك سببا له ومؤثّرا فيه لتوقّف ذلك الشيء على وجوده فهو للَّه تعالى. الرابع: أنّ ما تخلَّل بين ذلك القادم وهذا الغابر أي: نفس وجود الملك المحفوف بما تقدّم عليه، وبما تأخّر عنه فهو للَّه تعالى، وهذا الأمر الرابع غامض غايته، ولا ينكشف إلَّا لمن شاهد صمديّة اللَّه تعالى، وأجوفيّة ما عداه واعتماله، وإلَّا لمن تدبّر قوله تعالى "وَاعْلَمُوا أَنَّ ا للهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه" (الانفال 24)، إذ القلب هو الأصل المحقّق لموجوديّة الإنسان، فإذا كان اللَّه الذي لا حدّ لوجوده حائلا بين الإنسان ونفسه بلا امتزاج يكون خارجا عنه أيضا بلا تزايل، ولا خصيصة لذلك بالإنسان، بل يعمّه، والملك والفلك من الذرّة إلى الدرّة، ومن الثرى إلى الثريا، وأيّ موجود من الثقلين. فعليه، لو شاهد أيّ شيء ما شاهدته الملائكة لقال أيضا ما قالته هؤلاء الكرام، من: أنّ للَّه سبحانه ما تقدّم، وما تأخّر، وما تخلَّل بين السابق واللاحق، فلا يبقى هناك إلَّا وجه اللَّه الباقي، ويظهر فناء ما عداه البالي. والحاصل: أنّ المصلَّي المناجي ربّه يتحلَّى بحلية الصلاة، ويتصوّر بصورتها، والصلاة ليست إلَّا المناجاة مع اللَّه، ولا حقيقة للنجوى إلَّا وجه اللَّه الباقي، فلا سهم للصلاة الَّتي اتّحد بها المصلَّي إلَّا شهود وجه اللَّه، الحافّ للصلاة بحدودها الداخليّة، وحواشيها الخارجيّة، ومن هنا يظهر سرّ فاتحة الصلاة السابقة عليها، وسرّ خاتمتها اللاحقة لها، ولعلَّه لذا قال اللَّه سبحانه "فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ" (الانشراح 7-8)، أي: إذا فرغت من صلاتك (على احتمال) فانصب نفسك لإدامة العبادة بتعقيبها، ولتكن رغبتك إليه تعالى دون ما عداه، وحيث إنّ الرهبة على وزان الرغبة فإذا انحصرت الرغبة إلى اللَّه تعالى، لإفادة تقديم الجارّ ذلك تنحصر الرهبة فيه تعالى، لأنّ مساقهما واحد. وقد روى مسعدة بن صدقة، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال في قوله تعالى: "فَإِذا فَرَغْتَ". إلى آخره) أي: إذا قضيت الصلاة. فانصب في الدعاء. ولمّا لم يعيّن للتعقيب أمد خاصّ، كما أنّه لم يحدّد للاستقبال زمان مخصوص، وكان أيّ شيء يأتي على العبد السالك سبيل معبوده إنّما هو واجب أو مستحبّ، ولا ينافي ما يفعله ما يقوله ويدعو به ويتلوه فهو دائم في صلاته، فلذا يصحّ له أن يقول متأسّيا بمواليه الكرام الَّذين جعلهم اللَّه أسوة حسنة للناس "إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ" (الانعام 162)، وهذا العبد الصالح لا يهتمّ إلَّا بوجه اللَّه، فهو من روح اللَّه كما نطق به الصادق المصدّق عليه السّلام، ناقلا عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله أنّه: (من أصبح من أمّتي وهمّه غير اللَّه فليس من اللَّه)، لدلالته على أنّ همّه هو اللَّه فهو منه تعالى، أي: من وجهه الخاصّ.
وعن التعقيب يقول آية الله الآملي: قال الصادق عليه السّلام: (إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السّلام كما نأمرهم بالصلاة.). وقد أمر في التعقيب بأمور ناجحة نافعة، وأنجحها وأنفعها ما يرجع إلى التوحيد والولاية وإن كان مآل الكلّ هو التوحيد، وقد أكَّد بقراءة آية الكرسيّ الحاوية للاسم الأعظم، وقد وعد بقراءتها بما تقرّ به العيون، حيث إنّه روي عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله أنّه قال: (من قرأ آية الكرسيّ عقيب كلّ فريضة تولَّى اللَّه جلّ جلاله قبض روحه، وكان كمن جاهد مع الأنبياء عليهم السّلام حتّى استشهد)، ولم يرغَّب في التعقيب بقراءة سورة المسد "تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ" (المسد 1)) بمثل ما ورد في سورة التوحيد، أو آية الكرسيّ ونحو ذلك، وهكذا ما ورد في التصلية على أهل بيت النبوّة والعصمة عليهم السّلام، لأنّهم مظاهر للاسم الأعظم، ومجالي للولاية الإلهيّة. روى الكلينيّ رحمه اللَّه في جامعه.، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: لمّا أمر اللَّه عزّ وجلّ هذه الآيات أن يهبطن إلى الأرض تعلَّقن بالعرض، وقلن: أي ربّ، إلى أين تهبطنا؟ إلى أهل الخطايا والذنوب؟ فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليهنّ: اهبطن، فو عزّتي وجلالي، لا يتلوكنّ أحد من آل محمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وشيعتهم في دبر ما افترضت عليه من المكتوبة في كلّ يوم إلَّا نظرت إليه بعيني المكنونة في كلّ يوم سبعين نظرة، أقضي له في كلّ نظرة سبعين حاجة، وقبلته على ما فيه من المعاصي، وهي: (أمّ الكتاب)، و "شَهِدَ ا للهُ أَنَّه ُ لا إِله َ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ" (آل عمران 18)، و (آية الكرسيّ) و (آية الملك). فمن قرأها وذكرها عقيب مناجاته مع اللَّه لعلَّه يترقّى من وجودها الاعتباريّ إلى الحقيقيّ الطبيعيّ أوّلا، وإلى المثاليّ ثانيا، وإلى العقليّ ثالثا، وفوق ذلك ما لا يناله إلَّا الأوحديّ الفاني في الباقي، الغافل عمّا عداه، الساهي عمّا سواه، فالتعقيب البالغ: هو الذي نال سرّه العقليّ، فمعه يتعلَّق بالعرش، كما أنّ سرّ تلك الآيات والأذكار المأثورة كان متعلَّقا به.
وعن التسبيح يقول الشيخ جوادي الآملي في كتابه: والذي يمكن القول في تأثير مثل هذا التسبيح الأعظم: أوّلا: هو تعليم الشجر والمدر ونحو هما بلسان التكوين، بما هو لم يكن معلوما له قبل ذلك وإن كان أصل التسبيح معلوما ومقدورا له. وثانيا: هو تأويب ذلك مع الإمام المعصوم عليه السّلام تأسّيا به كما تأسّى بداود عليه السّلام حين أمر اللَّه سبحانه بذلك، كما قال تعالى "يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَه" (سبأ 10) فقد اجتمعوا معه، وذكروا اللَّه ووحّدوه معه كما هو المعروف في الائتمام بإمام الجماعة. وثالثا: هو رفع الحجاب والغطاء عن إسماع هؤلاء الَّذين كانوا مع السجّاد عليه السّلام، وأبصارهم، حتّى سمعوا تسبيح الشجر والمدر وفقهوا ذلك، بعد ما كانوا جاهلين به، كما قال سبحانه "إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه ِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" (الاسراء 44)، إلى غير ذلك ممّا يمكن أن يناله المتدبّر في سرّ التسبيح الأعظم وتأثيره في الكيان، حينما يعترف بأنّه غير مختصّ بالإمام المعصوم عليه السّلام وإن كان الحدّ السامي منه مخصوصا بأهل العصمة عليهم السّلام، والغرض: هو أنّ العبد إذا أحسّ ذلَّته وأدركها واعترف بها وتذلَّل لمولاه الذي له العزّة جميعا ينال ما أعدّ له من العزّة العرضيّة، ويقول كما كان الصادق عليه السّلام يقول وهو ساجد: (سجد وجهي اللئيم لوجه ربّي الكريم).
يبين آية الله الشيخ الآملي في كتابه عن صلاة الجمعة: ولنختم الرسالة بالوصيّة لنفسي ولمن بلغته هذه الرسالة: بأنّ الذهول عن اللَّه رين، وأنّ الصلاة لكونها ماء الحياة سبب لغسل الدرن والرين، كما نقله عليّ عليه السّلام عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله في قوله عليه السّلام: (شبّهها أي: الصلاة رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله بالحمّة تكون على باب الرجل، فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرّات، فما عسى أن يبقى عليه من الدرن)، فالذكر الذي يحصل بالصلاة مزيل لأيّ رين، وقد اعتنى في يوم الجمعة بصلاتها لأجل الذكر، وإليك بعض ما يرتبط بذلك: الأوّل: كون صلاة الجمعة مصداقا كاملا للذكر، حيث قال تعالى "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ ا للهِ" (الجمعة 9). الثاني: الأمر بالسعي إلى ذكر اللَّه، أي: صلاة الجمعة، وترك كلّ ما سواها، إذ لا خصيصة للبيع، بل لا بدّ من ترك أيّ شيء ينافيها. الثالث: النهي عن الإعراض عن ذكر اللَّه أي: صلاة الجمعة كما في سورة المنافقين، حيث قال تعالى فيها: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ ا للهِ" (المنافقون 9). الرابع: رجحان قراءة سورتي: الجمعة والمنافقين في صلاتها، للاشتمال على تلك النكات المارّة. وللاعتناء بالصلاة الَّتي هي عمود الدين قال تعالى في حقّ المنافقين "وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى" (النساء 142) يعني: أنّ هؤلاء لا يعبدون اللَّه أصلا، سواء في ذلك الصلاة وما عداها: كالصوم والحجّ و.، وقد اكتفي في ذلك كلَّه بعدم نشاطهم في الصلاة، وهكذا قيل في السكران، لقوله تعالى "لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ" (النساء 43)، وحيث إنّ الساهي الذي يستحقّ الويل بمنزلة السكران الذي لا يدري ما يأتي، فهو أيضا منهي عن قرب الصلاة، لأنّها كالقرآن، لا يمسّها إلَّا الطاهر عن درن الذهول، وغسلين النسيان، ورين الرياء ونحو ذلك. وللاهتمام بأمر الصلاة اختصّ ذكرها في عبادة ما سوى اللَّه إيّاه، حيث قال تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ ا للهَ يُسَبِّحُ لَه ُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَه ُ وَتَسْبِيحَه ُ وَا للهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ" (النور 41). وهكذا رزق زكريا التبشير بميلاد يحيى في الصلاة، كما قال تعالى "فَنادَتْه ُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ ا للهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى" (آل عمران 39). ومن هذا القبيل الدالّ على الاهتمام بالصلاة وحالها: هو ما ورد في شأن زكاة أمير المؤمنين عليه السّلام وهو راكع، لأنّ أصل الزكاة وإن كان أمرا قربيّا قرينا للصلاة في غير موضع من القرآن إلَّا أنّ اقترانها بها أي: بالصلاة لعلَّه قد أوجب فضلا زائدا باعثا لنزول آية الولاية، حيث قال تعالى: "إِنَّما وَلِيُّكُمُ ا للهُ وَرَسُولُه ُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" (المائدة 55).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat