من مذكرات أقدم مدرس تاريخ في كربلاء (تل مرعز)  
اسعد عبد الرزاق هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لم استطع مقاومة رغبتي في البحث والتقصي واستذكار ما تحاورنا به في تلك اللقاءات العفوية، أعود إليها كلما استفزني موضوع، أروح أبحر في تفاصيل الذاكرة، كانت معلومات الأستاذ عبد الرزاق الحكيم معلومات دقيقة، رغم عدم وجود مرجعيات تحت اليد، لم يكن "لكوكل" من وجود بعد، لذلك كنت أعتمد على معلومة الأستاذ باعتباره مصدر ثقة، لا يدلي بمعلومة غير متيقن منها، وهو يعرف كربلاء كما يعرف اسمه، حدثني يوما عن تل كربلائي يدعى (تل مرعز) يقع  في خان العطشان، وكانت قوافل  الزوار والمسافرين يعتلون التل لرؤية قبة العتبة الحسينية المقدسة، وكان يطلق عليها قديما (قبة نما) 
 يقول الأستاذ عبد الرزاق الحكيم كان من يرتقي التل يسلم على الإمام ويزور ويصلي ركعتين ويتصدق بشارة الرؤية بشارة الفقراء، لذلك كان الفقراء يتجمعون عند هذا التل، وهو يتبع لخان العطشان 
 في كل لقاء أكتشف شيئا جديدا عن كربلاء، آثارا ووقائع وأحداثا لم تعد تذكر وحتى الاسماء لم تكن مألوفة والمألوف منها يشخص بأن تسميته حديثة، مثل خان العطشان سمي بالعطشان لانغماس منابع مائه 
في مثل هذه المواضيع تزدحم برأسي الأسئلة ومع أول سؤال يعرف الأستاذ ما يدور برأسي فيوضح الأمر ويزيد المعلومة بما ينفع، بدأت أفك زحام الأسئلة في رأسي: 
ـ أستاذ إلى أي تأريخ يعود بناء القصر، أو الخان العطشان؟  
- قال لي خان العطشان هو من أقدم الخانات في العصر الاسلامي، ويعود إلى عام 778م، أما موقعه فهو على بعد ثلاثين كم جنوب غرب كربلاء، وسط البادية تحيط به الصحراء الممتدة من كل جانب وليس هناك أي أثر للبناء أو الحياة على مبعدة منه.  
سألته ظنا مني أنه خان النخيلة  
ـ أجابني أنه يبعد عن النخيلة 16 كم، باتجاه الغرب، كانت تتكوّن من هذه المعلومات شيئا من الغموض لتعدد تلك الخانات أو القصور، هناك حسب معلوماتي قصر شمعون وقصر العوينة وقصر موجدة ويقال أنها كانت قديما معمورة بالسكان، ومازالت آثارها شاخصة للعيان لليوم، أجابني  
- أولا.. إنه بناء قديم، على شكل خان ترى أطلاله ورسومه في البادية يعود تاريخه إلى نفس فترة بناء الاخيضر، مطلع القرن السابع الميلادي ويحدد بزمن هارون العباسي تقول بعض المصادر شيد بأمر والدته، والخان هو نفسه القصر،  
- قلت نحن رأينا صورا كثيرة للخان، فهو مربع الشكل قال: 
ـ قياس طوله 25،5وعرضه 24، 90 م محاط بسور سميك مدعم بثمانية أبراج لتكون ركائز من الآجر والحصى المخلوط بمادة النورة 
- فقلت أتمنى أن تذهب يوما في رحلة مدرسية زيارة للقصر لنراه بأعيننا، عقب الأستاذ عبد الرزاق الحكيم أنا زرت الخان عدة مرات يتكون من مساحة شبه مستطيلة الشكل توجد في قسمها الجنوبي أواوين مستطيلة الشكل وتطل على الساحة المكشوفة عقد مدببة مسقوفة بقبو نصف اسطواني، تنفتح هذه الحجرة على حجرتين صغيرتين يمينا يسارا، ضحكت حينها استغرب الأستاذ من ضحكتي 
- قلت ما شاء الله عليك أستاذنا ذاكرة حديدية، رد الأستاذ صل على محمد وآل محمد وقال دعني أكمل لك الوصف الحجرتان مسقوفتان، الجدار الغربي من القصر توجد فيه ثلاث قاعات جميعها بعرض واحد تطل على الصحن بباب مستقل 
أصبح  التفكير في هذا القصر يحمل أسئلة كثيرة لكني أخشى على الأستاذ من الإحراج، فهو ليس شرط أن يكون ملما بالقياسات رغم أنه ما شاء الله  عليه لم ينس شيئا، كان بودي أن أسأله عن أهمية هذا الموقع، فهو يحاط بالصحراء من كل جانب، ولهذا عرش بي الفضول فرحت أبحث اليوم في كوكل لأعرف أهمية الموقع عثرت في موقع الشبكة على موضوع للكاتب عامر جليل إبراهيم عن أهمية الموقع نقل لنا قول اختصاصي الآثار فائز نعمان، بني القصر في هذا الموقع تحديدا، ليكون نقطة اتصال تربط القوافل  التجارية بدرب الساعي وطريق الفرات الواصل إلى حلب، ويربط القوافل الذاهبة بطريق الحج، سألت أستاذي عبد الرزاق الحكيم في إحدى اللقاءات عن ما نقله المستشرقون عن كربلاء، فكان للقصر نصيب كبير الذي حدد عمر الإنشاء هو المستشرق كريزول عام 778م كما ذكره الرحالة  الفرنسي (تافر نيه) ضمن رحلته في القرن السابع عشر الميلادي، وصفا دقيقا، ويعتبر الرحالة الفرنسي تافرنية هو مكتشف الخان، وقبل أن تنتهي  رحلتنا مع الخان قال لي أنا أرى أن هذا الخان كان دار استراحة لوالي منطقة الاخيضر في رحلته إلى مدينة الكوفة، رحم الله أستاذنا عبد الرزاق  الحكيم كان رجل تاريخ حقيقي وكربلائيًا أصيلًا
 

الموضوع السابق أجنحةُ العروج مِنَ المَقامات الإنسيّة إلى الأنوار الأحديَّة

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat