صفحة الكاتب : محمد حسن الساعدي

العراق بين النفوذ الإقليمي والتحولات السياسية
محمد حسن الساعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يُعدّ العراق من الدول المحورية في منطقة الشرق الأوسط، نظراً لموقعه الجغرافي الاستراتيجي، وتاريخه السياسي، وموارده الطبيعية الغنية، ولا سيما النفط. ومع ذلك، فإن دوره السياسي خلال العقود الأخيرة كان مرهونًا بجملة من العوامل الداخلية والخارجية، ما جعله ساحةً لصراعات النفوذ الإقليمي والدولي،وفي ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، يبرز التساؤل حول قدرة العراق على استعادة توازنه السياسي واستقلال قراره الوطني.

الموقع الجغرافي وتعدد مراكز النفوذ

يمتلك العراق حدودًا مع ست دول، من بينها إيران وتركيا والسعودية، وكل منها تسعى بدرجات مختلفة لتوسيع نفوذها داخل الساحة العراقية. فإيران، على سبيل المثال، تربطها علاقات تاريخية ودينية عميقة مع قوى سياسية وفصائل مسلّحة داخل العراق، ما يمنحها نفوذاً ملموساً، خاصة بعد عام 2003. وفي المقابل، تحاول دول الخليج والولايات المتحدة موازنة هذا النفوذ عبر دعم قوى سياسية أخرى وتكثيف الحضور الدبلوماسي والاقتصادي.

التحديات الداخلية وتأثيرها على القرار السياسي

تشهد الساحة العراقية تحديات داخلية كبيرة تتمثل في الانقسام الطائفي، وضعف البنية المؤسساتية، والفساد الإداري، إضافة إلى التحديات الأمنية مثل بقايا تنظيم "داعش" وتوترات الميليشيات،هذه الأوضاع تجعل العراق بيئة خصبة للتدخلات الخارجية، حيث تجد القوى الإقليمية في هذا الضعف مدخلاً للتأثير في السياسات والقرارات، منذ عام 2003، مرّ العراق بتحولات سياسية كبيرة أثّرت على موقعه الإقليمي إلا أن السنوات الأخيرة شهدت عودة تدريجية لدوره الإقليمي، من خلال سياسة متوازنة تقوم على الحوار والانفتاح على جميع الأطراف، بما في ذلك دول الجوار. وقد لعب العراق دور الوسيط في عدد من الملفات الحساسة، مثل التقريب بين إيران والسعودية، وتعزيز العمل العربي المشترك، وتقديم مبادرات لخفض التوتر في المنطقة.

التحولات الإقليمية وتبدل التحالفات

شهدت المنطقة خلال السنوات الأخيرة تحولات كبرى، منها تقارب بعض الدول العربية مع إسرائيل، وعودة العلاقات السعودية الإيرانية، بالإضافة إلى انسحاب نسبي للولايات المتحدة من بعض الملفات. كل هذه التغيرات أعادت تشكيل موازين القوى، والعراق يجد نفسه مضطرًا لإعادة حساباته السياسية بما يتناسب مع هذه المستجدات، دون أن يفقد توازنه أو يتحول إلى تابع لهذا الطرف أو ذاك.

نحو دور عراقي مستقل؟

رغم التحديات، هناك مؤشرات على رغبة عراقية متزايدة للعب دور توافقي في المنطقة، كما ظهر في محاولات بغداد لاستضافة محادثات بين إيران والسعودية، وسعيها للانفتاح الاقتصادي على المحيط العربي. إلا أن هذه الخطوات تتطلب إصلاحًا سياسيًا داخليًا يعزز من مكانة العراق كدولة مستقلة ذات قرار سيادي.

يبقى العراق لاعبًا محوريًا في معادلة الشرق الأوسط، لكنه في مرحلة دقيقة تتطلب منه إعادة بناء مؤسساته الداخلية وتقوية وحدته الوطنية، لكي يتحول من ساحة صراع إلى محور توازن، قادر على صياغة دوره السياسي الإقليمي بعيدًا عن التبعية والضغوط التي حولها بدوره الاستراتيجي الى محور عمل مشترك مع جيرانه،وعنصرًا فاعلًا في المنطقة، بما يمتلكه من مقدرات وإرادة سياسية لتحقيق الاستقرار والازدهار،ورغم التحديات فإن موقعه الجغرافي وثقله السياسي والنفطي يؤهلانه لأن يكون جسرًا للتقارب الإقليمي،ومحورًا في صياغة مستقبل أكثر توازنًا للشرق الأوسط.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد حسن الساعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/22



كتابة تعليق لموضوع : العراق بين النفوذ الإقليمي والتحولات السياسية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net