صفحة الكاتب : رياض سعد

اعداد ضحايا الارهاب والعمليات العسكرية بين المبالغة والتضليل
رياض سعد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا تُعد ظاهرتا المبالغة والغلو، أو التلاعب بالحقائق وتزييفها، مجرد سمات عابرة في تاريخ الأنظمة والجماعات والأحزاب السياسية ، بل هي سِمة بنيوية تلازم كيانات النخب السياسية والاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط، وربما في معظم دول العالم الثالث... ؛  لكن اللافت أن هاتين الآفتين تجدان في العراق، منذ تأسيس الدولة الحديثة عام ١٩٢١، بيئة خصبة للتفشي والاستمرار، حتى غدتا جزءاً لا يتجزأ من الثقافة السياسية السائدة بل ومن البنية الاجتماعية والدينية والثقافية ، مما دفع مراقبين دوليين ومحليين إلى التساؤل عن سببي هاتين الظاهرتين وتداعياتهما... ؛  والأخطر من ذلك أن ثقة الجهات الخارجية بمصادر المعلومات العراقية، سواءً أكانت رسمية أم غير رسمية، قد تآكلت بشكل ملحوظ بسبب تنامي ثقافة التضليل واختلاق الروايات او الانكار وتكذيب الحقائق والوقائع ، ما أدى إلى تجاهل تقارير عديدة أو التشكيك في مصداقيتها. 

ومن أبرز القضايا التي طالها التشويه والتباين الحاد في الروايات، قضية إحصاء ضحايا الارهاب والعمليات العسكرية في العراق بعد الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٣... ؛  ففيما ذهبت بعض الأصوات إلى تضخيم الأرقام لتبلغ الملايين، كجزء من خطاب درامي وطائفي  يهدف إلى استقطاب التعاطف الدولي والطائفي أو تعزيز شرعية سياسية معينة... ؛ سقطت أصوات أخرى في فخ التهوين المبالغ فيه، حيث قدّمت أرقاماً هزيلة تتعارض مع الوقائع الميدانية وتقارير المنظمات الحقوقية المُحايدة... ؛ وهذا التباين الشاسع، بين التضخيم والتقزيم، لم يُثر حيرة المراقبين فحسب، بل حوّل القضية الإنسانية إلى ساحة للصراعات الأيديولوجية، فطُمس معها مبدأ البحث الموضوعي عن الحقيقة، وفُقدت الثقة في أي رواية مهما كان مصدرها. 

ولا يقتصر الأمر على الجانب الإحصائي، بل يتعداه إلى تشكيل رواية تاريخية مشوهة تخدم أجندات ضيقة... ؛  فمن ناحية، تُستخدم المبالغة كأداة لخلق سردية الضحية الدائمة، التي تُبرر الفشل أو تُحيله إلى مؤامرة خارجية... ؛  ومن ناحية أخرى، يُستخدم إخفاء الحقائق لتلميع صورة جهات معينة أو لطمس مسؤولياتها عن الأزمات والجرائم والمجازر ... ؛  وهكذا تتحول المعرفة إلى سلعة قابلة للتشكيل وفق الهوى، وتغيب المعايير الأخلاقية والاسس الموضوعية في تناول قضايا الشأن العام. 

 

إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب، قبل كل شيء، تفكيك البنى الثقافية والسياسية التي تغذي ثقافة الإنكار والتضليل او الغلو والمبالغة ، وبناء مؤسسات تحفظ التوثيق الدقيق بعيداً عن التأثيرات الحزبية، وتشجيع الخطاب النقدي القائم على الشفافية... ؛  فبدون مصالحة مع الحقيقة، تظل السرديات المتنافسة وقوداً للصراع، وعائقاً أمام أي محاولة جادة للإصلاح ولقول الحق والحقيقة .   

ومما ذكر بهذا الصدد , احصائية للناشط مصطفى نعمان السوداني , قال فيها : (( بلغ عدد الشهداء المدنيين في العراق فقط منذُ 2003 إلى 2018 إلى أكثر من ( 205,273 ) مدني وتشمل هذه الإحصائية فقط الجثة الكاملة حيث لم يحتسب المفقودين والذين لم يتبقى من جثثهم شيء بسبب المفخخات ... ؛ وأيضًا من عام 2003 إلى عام 2006 قام الإرهابيين بتفجير أكثر من 580 سيارة مفخخة يقودها انتحاري في العراق وكانت النسبة الأكبر في محافظة بغداد حيث بلغت أكثر من 450 سيارة مفخخة ... )) .

بينما نشر موقع المجلة من لندن ؛ تقريرا عن منظمة ضحايا حرب العراق ؛ جاء فيه : ((  بين مارس/آذار 2003 ويناير/كانون الثاني 2023، تفاوت عدد القتلى المدنيين العراقيين منذ غزو العراق وما تلاه بشكل كبير، ليعكس مختلف الاضطرابات الأمنية التي شهدتها البلاد في مراحل عدة على مدى العقدين المنصرمين... ؛ فقد بلغ العدد الإجمالي للضحايا المدنيين 210 الآف و38 ضحية على مدى 20 عاما... , وسجل عدد الوفيات المدنية الموثقة في العراق ذروته في عام 2006 عند 29,526 ضحية، فيما بلغ أدنى مستوى له في عام 2022 حيث سجل 740 ضحية، بحسب "منظمة ضحايا حرب العراق"...)) .

وقد صرح مدير مديرية شؤون الشهداء والجرحى في وزارة الداخلية - في وقت سابق - ، زامل الساعدي، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن :  "عدد شهداء الوزارة منذ العام 2003 وحتى الآن - عام 2022-  بلغ 29,300 شهيد، اما عدد الجرحى فقد بلغ 45,000 جريح"، مشيراً الى أن "إصابات الجرحى تقسم الى عدة اقسام، شديدة ومتوسطة وخفيفة"


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض سعد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/13


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • طفولة تحت الأنقاض.. جراح الطفولة تُلقي بظلالها على مراحل العمر  (المقالات)

    • تحليل ظاهرة "الزَّعْل" في المجتمع العراقي: جذورها، تجلياتها، وآليات التعاطي معها  (المقالات)

    • خور عبد الله قضية الامة والاغلبية العراقية , وليست لعبة بأيدي النخب والاحزاب والشخصيات السياسية  (المقالات)

    • لقاء العيون في زمن متشظٍّ : سردية سريالية للالتقاء العابر والافتراق الدائم  (المقالات)

    • الإمام عليّ وصراع الوعي في ضمير العراقيين  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : اعداد ضحايا الارهاب والعمليات العسكرية بين المبالغة والتضليل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net