صفحة الكاتب : رحيم الخالدي

من ذاكرة أيام الزمن الجميل
رحيم الخالدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كتب قبل أسبوع مقالة تتحدث عن أيام حكومة البعث الشوفيني، التي لم يسلم منها إلا من كان ضمن المنظومة الأمنية والحزبية، والمقربين سواء كان من العائلة الحاكمة، أو من صلاح الدين ومقترباتها، ويأتي بالدرجة الثانية المحافظات الغربية، وهؤلاء لديهم مناصب تؤهلهم لاحتقار أي شخص من الجنوب، أو من الطائفة الشيعية حصراً، وهذا ولد إختلاف عقائدي خصوصاً، عندما تبني عزة الدوري ملف السلفية بعد إنتهاء حرب الخليج .

بمحض الصدفة التقيت بأحد من أفلت من مثرامة الرضوانية، أيام تسعينات القرن الماضي، وجرى الحديث حتى وصلنا لنقطة، أخذ السارد برهة من السرحان في أفكارهِ وقال : اسمع كنت ضمن من تم جمعهم بمحافظة الديوانية، وتم إعتقالنا من الشارع أيام الإنتفاضة الشعبانية، وجمعونا بمكان ومن ثم إقتيادنا الى بغداد، بمكان لم أشاهدهُ في حياتي، ويخلوا من الشواهد التي تدل على المكان .

وبعد كيل من الإهانات والسباب وكيل الإتهامات جزافاً، ولم نكن سوى مواطنين عاديين، صحيح اننا لم نكن للنظام أي إنتماء، لكن كنّا نعيش على قد الحال، وحالنا حال الأكثرية مغلوب على أمرنا، والذي لم يسلم اي عراقي من السوق للخدمة العسكرية، أو الجيش الشعبي أيام ثمانينات القرن المنصرم، وبعد إنتهاء سيل السباب والشتائم أدخلونا لبوابة من فوق! وليس بوابة ارضية عادية، بحيث أذا دخلت يستحيل عليك الخروج، إلا بحالة خاصة وأنا كنت منها .

كانت الجموع تأتي كل يوم، ويتم انزالها وكان هنالك جدار يدفعك الى فوهة، تدخل بها لتخرج من الجهة المقابلة مقطع الى قطع يصعب جمعها، وتلك التي يطلق عليها "المثرامة" وأنا كنت حين يتم تشغيلها، أذهب ناحية الجدار اتقي الوصول للفوهة، التي إذا دخلت فيها فتتحول الى عصارة يتم تصريفها بالنهر وينتهي الأمر، بقيت على هذه الحالة الى أن أنهكني الجوع والعطش، وفي برهة سمعت صوتا ينادي، من منكم يعرف بميكانيك السيارات، وان الذي أجهل كيف تعمل السيارة ونوع الوقود إضافة للقيادة .

 

 

 

قلت بنفسي لأرفع يدي فأنا بكل الحالات (مثروم)، فقال لي هل تعرف التصليح وأجبته بنعم، انزلوا لي الدرج وصعدت وأنا غير مصدق بشم الهواء، وقال لي هل أنت جوعان وأومأت براسي، وما كان منه الا أمر بنصف دجاجة مشوية وخبز ومعها اللواحق، وبدأت آكل بنهم حتى شبعت، ومنها اقتادني لسيارته الخاصة وكانت من نوع "كورونا" أوتوماتيك .

وجاء لي ببعض العدة التي تساعد بفتح البراغي وغيرها، ولا أعرف كيف أستعطت بتنزيل مبدل السرعات( الكَير) للأرض، وقمت بتنظيفه خاردياً وإرجاعه لمكانه كما كان، وقد عصرت مخي لأحفظ كل شيء بمكانه، وكانت إرادة ربي معي، ودعاء أمي التي لم تنم منذ أن تم اختطافي من الشارع .

هنا قام ذلك الشخص والذي يبان من سطوته أنه برتبة كبيرة، وقال لي إن الباري إختارك لتكون من الأحياء ولكن بشرط، وهذا بعد أن فحص سيارته فكانت كما أراد، وكان شرطه أنه أتى باستمارة وقعت عليها دون قراءتها، وكانت تحوي فقرات كلها تؤدي للإعدام، وكنت أحلم بالخروج من ذلك المكان، فأمر أحد مرافقيه أن يقلني الى "كراج العلاوي" ومبلغ خمس وعشرون ديناراً، حتى انزلي بالكراج مع التحذير بعدم التكلم بما رأيت وسمعت .

أنا اعرف ان هذا السرد الحقيقي، الذي عاناه كثير من العراقيين بشتى الاشكال والانواع قد لا يعجب البعض، وبالخصوص عوائل البعث التي تضررت، وسيقولون أن الكلام ليس من الواقع وكله كذب، حاله حال المطبلين وقنوات البزاز والخنجر وغيرهم، ممن يتغنون بأيام الطاغية الذين يعتبرون أيامهُ أيام العز والحياة المرفهة، وتحت الأرض جثث تم إخفائها وتغييبها دون علم أهاليهم، ومن سَلَمَ منهم قضت عليه فصائل القاعدة وداعش وباقي التنظيمات، التي لا زال بعضها موجود متحيّنة الفرصة للإنقضاض .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رحيم الخالدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/13



كتابة تعليق لموضوع : من ذاكرة أيام الزمن الجميل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net