مليشيا حرس نينوى والتآمر التركي القديم المتجدد
رياض سعد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رياض سعد

لم تشهد المنطقة العربية، وعلى وجه الخصوص العراق، استقرارًا حقيقيًا منذ أن أصبحت مطمعًا للسياسات التوسعية التركية... ؛ فمنذ توغُّل النفوذ العثماني في ربوع المشرق العربي، لم تكف تركيا عن ممارسة أدوارٍ مدمرة، تارةً عبر الاحتلال المباشر، وتارةً أخرى عبر وكلاء محليين من بقايا العثمانيين ، في سلسلةٍ من التدخلات التي خلَّفت وراءها دمارًا اجتماعيًا وسياسيًا لا يزال يُلقي بظلاله حتى اليوم... ؛ فتاريخيًا، اتسم الوجود التركي بإضعاف النسيج المجتمعي، واستبدال النخب والرموز الوطنية بعناصر اجنبية وغريبة تابعة، وتحويل المجتمعات القوية إلى كيانات هشة، وهو منهجٌ لم يتغير في جوهره رغم تبدل الأشكال والذرائع.
وتُعدُّ التجربة السورية الحديثة مثالًا صارخًا على هذه السياسات التركية الغاشمة ، حيث تحوَّل التدخل التركي المباشر بعد 2011 إلى غزوٍ واحتلال , ونهب وسلب منهجيٍ للموارد والثروات ... ؛ وتمهيدٍ لاستبدال السكان الأصليين بجماعاتٍ مسلحةٍ من خليطٍ عرقيٍ ودينيٍ (كالأفغان والشيشان والايغور والاتراك والقوقاز ... الخ )، في محاولةٍ لخلخلة الهوية الديموغرافية السورية.
أما في العراق، فقد تحوَّل "مكافحة الإرهاب" – بحسب الرواية التركية والاسطوانة الاعلامية الرسمية المخرومة – إلى ذريعةٍ لإنشاء قواعد عسكريةٍ في شمال العراق ... ؛ رغم معرفة الجميع بأن تركيا نفسها مارست دور الراعي الرئيسي للجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وغيرهما عبر دعم الحركات الاخوانية والفصائل المسلحة والعصابات الارهابية ك"الجيش الحر وداعش " و"الفصائل الارهابية السورية" الموالية لها، وهو ما تؤكده تقارير دولية عديدة.
وبعد إعلان نزع سلاح "حزب العمال الكردستاني" (PKK)، فقدت تركيا المبرر الرسمي لاستمرار وجودها العسكري شمال العراق... ؛ لكنها بدلًا من الانسحاب، عزَّزت تحالفاتها مع بقايا النظام البعثي المنحلّ وايتام النظام الصدامي البغيض ، وذلك من خلال تشكيل ميليشياتٍ طائفيةٍ تكفيرية ارهابية تحت مسمى : "لواء حرس نينوى"، الذي يُدار – وفقًا لتقارير محللين – من قبل عناصر بعثيةٍ سابقةٍ مرتبطة بفلول وايتام النظام الصدامي البائد ... ؛ ولا يقتصر خطر هذه الميليشيات على العراق فحسب، بل يمتد لتهديد الأمن الإقليمي عبر تدريباتٍ عسكريةٍ مشبوهةٍ تُجرى في معسكراتٍ مثل "زليكان"، الذي يُوصف بـ "إدلب العراق" لاشتراك جماعات متطرفةٍ في أنشطته.
وفي هذا السياق، كشف المستشار السياسي زهير الجلبي عن تفاصيل خطيرة تخص التعاون التركي-البعثي الاجرامي – الطائفي التكفيري ، موضحًا أن قيادة "لواء حرس نينوى" تضم 59 شخصيةً من أعضاء حزب البعث وكلهم برتبة عضو شعبة ... ، وأن تركيا تدرب وتسلح ما يقارب 4 آلاف عنصرٍ ضمن 3 ألوية، في إستراتيجيةٍ تُذكِّر بسيناريو "داعش"، أو على الأقل بنموذج "الساحل السوري"، حيث تُستخدم الميليشيات الطائفية كأداةٍ لزعزعة الاستقرار وتهجير السكان الاصليين او قتلهم وابادتهم .
وختامًا، فإن النمط التركي في التعامل مع جيرانه يعكس إصرارًا على نهجٍ استعماريٍ قديم، يقوم على استغلال الانقسامات الداخلية وتمويل الفوضى، بدلًا من احترام سيادة الدول... ؛ ولعل المطلوب اليوم هو وعيٌ عربيٌ وإقليميٌ بمخاطر هذه السياسات الاردوغانية التوسعية ، ودعمٌ دوليٌ لوضع حدٍّ لهذا التدخل السافر، قبل أن تتحول المنطقة بأكملها إلى ساحةٍ مفتوحةٍ لمشاريع الهيمنة التركية و الخارجية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat