النجف والموت المحتوم ومحـنـة أبو جفجير.
غالب الحبكي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
غالب الحبكي

في ظل حقبة الإحتلال العثماني والصراع السلطوي على حكم العراق ونهب ثرواته وإثر الهيمنة العنصرية للترك على العراق ، نشأ الفقر والجوع والأمراض والاوبئة فلم تكن مدينة النجف الاشرف بعيدة عن مسرح الموت، أذ كان أولها وباء الطاعون ، وذلك في عام 1372م فأن مدينة النجف هي صاحبة الحصة الكبرى من الموت المحتوم الذي إمتد الى قلب المدينة المكتظه بالسكان من الكسبة والتجار وطلبة العلم والعلماء .
ومن أسباب المهمة لوصول هذا " الطاعون" إليها و أهمها و أولها هو دخول جنائر الأموات المصابة إليها من المناطق الجنوبية، والتي تشكل ذات العدوى و الجسم المضيف "للفايروس" المعدي والسبب هو من خلال التعامل المباشر مع الأموات في مراسيم (الغسل والتكفين والدفن) كان هو الاخطر ، والسبب الثاني هو توافد الزائرين إليها من إيران، و دول الخليج وهولاء الأغلب منهم يدخلون لأجل طلب الشفاء والعلاج والحاجة، وهم يعانون من الأصابة بهذا المرض، و بعد أن يئسوا من الشفاء و يعتقدون أنهم يتلقون الشفاء بمجرد الزيارة للعتبات المقدسة، وطلب حاجتهم للخلاص من الامراض التي لا علاح لها، و لكن هم باختلاطهم بالسكان المحليين، من خلال السكن والتجول في الأسواق، بالتالي فأن المأكل، والمشرب أدى الى إنتشار هذا الطاعون في كافة أنحاء مدينة النجف بمعزل فكان سبباً في هلاك أهلها ، فقد هلك الناس جميعا إلا من هرب منهم واستطاع النجاة بنفسه ومن معه ، لم يذكر المورخون إعداد الموتى الذين فنوا اثر ذلك الوباء، و لكن كانت إعداد الاموات كثيرة جداً حتى أطلق على ذلك "الطاعون" في وقتها، تسمية (أبو جفجير) وسبب هذه التسميه بما أنهم يجهلون أسم هذا الموت الذي حل بديارهم ، و إبادة المئات منهم في أيام قليلة، وبالتالي فأن نسبة الوفاة هي الإغلب ولأنه "يغترف أرواح الناس غرفاً " كأنه اداة التي يغترفون بها طعام الرز أطلق علية تسمية "أبو جفچير .
لم يترك الطاعون مدينة النجف قد فترة طويلة، بل تكرر عليع لمرات عديدة، من عام 1372م و 1845م واستمر بذلك، حتى أن مدينة النجف، أصيبت مرة بعد مرة وأستمر الى عام 1902م
وأيضا في عام 1845م ضرب الطاعون النجف في 10/رمضان في العام نفسه، في ذلك الحين حتى فـر أهلها هرباً لطلب النجاة منها الى خارج المدينه، ومنهم من ذهبوا الى القرى والأرياف المجاورة لها، وقد توفي خلق كثير ، في حين غادرتها الأسر النجفية المعروفة و القديمة منها العلماء والاساتذة و المثقفين الى خارجها، وقد توفي في ذلك العام أيضا " الشيخ حسن كاشف الغطاء" (رحمه الله) على إثر إصابته بالطاعون حتى كتب المؤرخون أن في تلك الفترة أن طواعين النجف قضت تماماً على الثراث الديني، و العلمي الأدبي الإسلامي في النجف بعد الفرار الجماعي لطلبة العلم والأساتذة والمشايخ والعلماء والمثقفيين ، والذين قدموا إليها من شتى المذاهب الإسلامية لطلب العلم ودراسة العلوم الدينية في شتى فروعها العلمية والادبية والثقافية، بذلك أطلق على تلك الفترة بجفاف العلم أو موت العلم.
انتهت موجه الطواعين في آخر زياره للطاعون لمدينة النجف في عام 1902 ولم يستطع الكثير من المؤرخين والدراسات الحديثه أن تضع عدداً نستطيع أن نذكره، و لكن لم نجد أي رقم يذكر في كتب التاريخ، وذلك لكثرة الموتى الذين بلغوا، الآلاف، ومئات الالاف، حتى قيل لم يستطع أحداً من الدخول الى المدينه إلا بعد فترة طويلة، وبالتالي ترك المدينة خراباً بلا بشر على طوال هذه المدة الطويلة وتلك الآيام التي مرت على مدينة النجف .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat