الماء يُحتَجّ عليه والنفط يُحمى.. المشرح يصرخ تحت الجفاف
بينما تتدفق أنابيب النفط بثبات، يجفّ نهر المشرح حتى آخر قطرة. احتجاجات عشائرية تقطع الطرق نحو الثروة، مطالبة بأبسط الحقوق: الماء وقرى تموت عطشًا، والزراعة تنهار، والحكومة تصمّ آذانها.
ونظّم أبناء عشائر ناحية المشرح، الواقعة جنوب شرق مدينة العمارة مركز محافظة ميسان، تظاهرة احتجاجية أغلقوا خلالها الطرق المؤدية إلى المجمعات والشركات النفطية في حقول بازركان ومنفذ الشيب الحدودي، والتي تقع جميعها ضمن الرقعة الجغرافية للناحية، وذلك احتجاجاً على شحّة المياه وتراجع تدفقها في نهر المشرح، المتفرع من نهر دجلة، والذي تستمد الناحية اسمها منه.
جفاف قاسٍ
يعاني سكان الناحية والقرى التابعة لها من آثار الجفاف المستمر الذي يضرب المنطقة منذ سنوات، ما انعكس سلباً على حياة الإنسان والمكونات الحيّة الأخرى.
وفي هذا الصدد، يقول علي محسن، رئيس منظمة أبناء الأهوار: «بدأت أزمة الجفاف تضرب مناطقنا قبل أكثر من خمس سنوات، وانطلقت من الأهوار وتحديدًا من القرى البسيطة التي عانى أهلها الأمرّين.
تحوّلت حياتهم إلى مأساة بعد أن جفّ مصدر رزقهم الوحيد، وهو الماء. وبعد سنوات من الصمت والمعاناة، أصبحت المشكلة اليوم أخطر وأوسع.
فشط المشرح يلفظ أنفاسه الأخيرة، قرانا تعاني من جفاف تام، وحتى مركز الناحية لم يعد فيه ماءٌ صالح حتى للغسل، نتيجة ارتفاع نسبة الملوحة بشكل غير مسبوق».
وأرجعت الجهات المختصة في دائرة الموارد المائية بمحافظة ميسان أسباب الجفاف إلى قلة الإطلاقات المائية الواردة إلى المحافظة عموماً.
وأوضحت مصادر مطلعة في الدائرة، فضّلت عدم الكشف عن هويتها: «توجد أسباب عامة تتعلق بنهر دجلة، وأخرى خاصة بنهر المشرح.
من الأسباب العامة انخفاض معدل الإطلاقات المائية الواصلة إلى منطقة التماس بين محافظتي واسط وميسان عند مدخل نهر دجلة في قضاء علي الغربي، حيث يبلغ المعدل 140 م³/ثانية، في حين أن المفترض تصريفه باتجاه البصرة هو 70 م³/ثانية، يشاركه في هذا التصريف قضاءا المجر الكبير وقلعة صالح وناحية العزير.
أما بخصوص نهري الكحلاء والمشرح، فإن مجموع الإطلاقات فيهما لا يتجاوز 21 م³/ثانية، موزعة بواقع 14 م³/ثانية لنهر الكحلاء و7 م³/ثانية لنهر المشرح، ما يشير إلى شحّة مائية حادة في قرى ذنائب نهر المشرح.
أما الأسباب الخاصة فتتمثل في التجاوز على الحصص المائية، وإنشاء بحيرات صناعية بشكل غير قانوني، واستخدام أنظمة ري غير ملائمة».
مخاطر حياتية
وقد تسبّب الجفاف المستمر في ناحية المشرح بمخاطر كبيرة انعكست على الإنسان والكائنات الحية في المنطقة.
ويقول الناشط البيئي حيدر عدنان: «أدى الجفاف إلى ظهور أمراض متعددة بين السكان، وأثّر بشكل مباشر على انهيار الثروة الحيوانية وتدهورها».
ويُعدّ أبناء القرى الواقعة على ضفاف النهر والنهيرات المتفرعة منه، والبالغ عددها أكثر من 50 قرية، من أكثر المتضررين.
ويصف المواطن محمد حسون، أحد سكان تلك القرى، الوضع قائلاً: «جفّ الماء في النهر المار بقريتنا إلى درجة كبيرة لم نعد نستطيع معها سقي مواشينا أو استخدامه للغسل، فاضطررنا إلى شراء المياه من سيارات حوضية لاستخدامها في الشرب وسقي المواشي. أما الزراعة فقد تخلّينا عنها بسبب الجفاف».
مناشدات متكررة
أطلق أهالي ناحية المشرح مناشدات عدّة بسبب استمرار أزمة الجفاف، وشكّلوا فرقاً من أبناء الناحية وشيوخها لمخاطبة الجهات المختصة.
كما دعوا شخصيات سياسية ومسؤولي المحافظة للاطلاع ميدانياً على الأوضاع.
كذلك نشروا صور توثّق جفاف النهر وحجم المأساة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأطلقوا العديد من «الهاشتاغات»، لكن من دون أن يتغيّر الوضع.
وفي هذا السياق، يوضح حسن فالح، المهتم بالشأن المحلي لناحية المشرح: «عانى سكان ناحية المشرح كثيراً، لا سيما في ظل كارثة الجفاف المستمرة.
وازداد الوضع سوءاً مع مرور الوقت، حيث انتشرت أنواع مختلفة من الأمراض بشكل غير طبيعي.
ورغم مناشداتنا وتحذيراتنا، لم تتخذ أي خطوات عملية، ولم تظهر أي مؤشرات على انفراج الأزمة، رغم زيارات بعض المسؤولين وأعضاء مجلس المحافظة».
احتجاجات شعبية
بعد استنفاد جميع الوسائل، خرج أهالي ناحية المشرح والقرى التابعة لها بتظاهرات شعبية، في محاولة لإيصال صوتهم وإيجاد حلول لمشكلتهم المتفاقمة.
ويوضح الناشط البيئي حيدر عدنان: «نتيجة شحّة المياه واستمرار الجفاف، خرجت مظاهرات واسعة شارك فيها المئات من أبناء الناحية، من شيوخ عشائر وناشطين، وقطعوا الطرق المؤدية إلى حقول بازركان النفطية ومنفذ الشيب الحدودي.
كما طالبوا بإطلاق الحصص المائية العادلة، ووضع حلول واقعية لأزمة المناطق الريفية، وتشكيل لجان حكومية محلية للاطلاع ميدانياً على حجم الكارثة، ورفع جميع التجاوزات على مجرى نهر المشرح، ومحاسبة المتجاوزين من أصحاب البحيرات».
وكان لشيوخ العشائر في الناحية دور بارز في هذه الاحتجاجات.
ويقول الشيخ أبو كاظم، أحد وجهاء العشائر: «مرّت سنوات طويلة ولم تضع الحكومات المتعاقبة خطة تضمن وصول المياه إلى الناحية بما يكفي الفلاح لزراعة أرضه. كما لم تتضمّن مخططات الدولة أي مشروع يعيد المياه إلى أهوارنا الجافة. وتحولت الناحية من إحدى أكبر مناطق العراق إنتاجاً للأسماك إلى منطقة مستوردة. لم يبق أمامنا سوى التظاهر وقطع الطرق أمام الشركات النفطية، لإجبار الحكومة على الاستماع لأصواتنا».
تفاعل على مواقع التواصل
كذلك حظيت التظاهرات باهتمام واسع من المدونين والناشطين البيئيين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي هذا الإطار، اطلعنا على تدوينة للناشط البيئي مرتضى الجنوبي، نشرها على صفحته الشخصية، قال فيها: «تعدّ خطوة تظاهر أبناء ناحية المشرح موفّقة، حتى وإن تأخّرت الإطلاقات المائية. فقد خرجت جميع فئات المجتمع في أول تحرّك منذ ثلاث سنوات من الجفاف. وحتى تحصل على أبسط حقوقك في بلاد الرافدين، وهو الماء، لا بد أن تخرج وتظهر فشل الحكومات المتعاقبة في إدارة ملف المياه. اليوم نواجه خطراً حقيقياً يهدّد وجودنا. وكان من المفترض أن يكون ملف المياه هو الأهم لدى الحكومة العراقية، لكنه مهمَل لأنه لا يدرّ أرباحاً مثل النفط».
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat