ناقد واكاديمي ( البصرة)
يمثل التواصل الإعلامي احدى اهم اللغات في إيصال أي قضية تسعى للانتشار وبيان مفاصلها وكانت القضية الحسينية منذ لحظة انبثاقها الأولى بعد مأساة الطف في كربلاء ترتكز في إيصال صوتها على الجانب التوثيقي الإعلامي لما جرى لذا في جميع الخطابات التي تعاطت مع هذه القضية كانوا يطلقون على السيدة زينب بانها الصوت الإعلامي للثورة الحسينية ولواقعة الطف ، فكل قضية تنطوي على جانب اتصال اعلامي مهم يحاول ان يوصل ادق التفاصيل عن تلك القضية وعن عمق ما جرى بخاصة ان كانت تلك القضية تتصل بمحاور إنسانية ودينية وفكرية فيها الكثير من الجوانب الروحية والتاريخية والالتباسات والجدليات بوصفها قضية حساسة ومحورية في التاريخ العربي والإسلامي، ولعظم تأثر الكثير بهذه القضية وابعادها فقد تم التعاطي معها على امتداد الحقب والسنوات بصور مختلفة وكان للآداب الفنون نصيباً في هذا التناول الذي لا يخرج من اطره الفكرية والعاطفية فقد تفاعل العديد من المفكرين والفلاسفة والادباء مع هذه القضية وكتبوا عنها وعن شخوصها وعظم المأساة التي جرت هناك في كربلاء بل البعض راح يصفها بانها قضية فلسفية إنسانية لا يمكن تكرارها بعظم المشهد والمجريات وما الت اليه الأمور بعد كل تلك السنوات ، فعلى المستوى الفلسفي الغربي فقد مرت القضية على العديد من المفكرين والكتاب والذين دونوا تعاطيهم وتفاعلهم عبر مقولات وأراء اشتهرت فيما بعد بمواقفهم ازاء شخوص تلك الشخوص وبالتأكيد من هؤلاء للذكر لا الحصر : (الكاتب الأسكتلندي توماس كارلايل، المستشرق الإنكليزي إدوارد براون،المؤرخة الإنكليزية فريا ستارك ،المؤرخ الأميركي واشنطن إيروينغ، الزعيم الهندي غاندي، الكاتب ارنست همنغواي ،برنارد شو ، ستالين،جيفارا، اوغيرا الروسي،تولستوي ، فيكتور هيجو ، جورج لوكاتش،الشاعر الانجليزي شيلي ،فضلا عن أنطوان بارا) ، اما في مجال الشعر فقد كتب العديد من الشعراء المعروفين قصائد عن الامام الحسين واهل بيته الكرام تصور الواقعة المؤلمة وطريقة تفاعلهم مع تلك الواقعة من زوايا فنية وجمالية وفكرية مختلفة ومنهم بالتأكيد (الشريف الرضي،الكميت، دعبل الخزاعي، حيدر الحلي، الجواهري ، السياب ، عبدالرزاق عبدالواحد، السيد مصطفى جمال الدين، نزار قباني، وغيرهم) فبعض الشعراء وثقوا الحالة التاريخية وعمق مأساتها وبعضهم استدعى الحسين كشخصية رمزية ثائرة في التاريخ العربي والإسلامي وتقام سنويا مهرجانات تحت مسميات مهرجانات الشعر الحسيني وفي كل المدن العراقية وبعض المدن الإسلامية والعربية وبخاصة فيما يتعلق بالتراث والثقافة الشعبية للشعر الشعبي بوصفه من الأنواع التي تؤثر تماما بالمتلقي من ناحية الإحساس والمشاعر مع هذه القضية التي يرتكز فيها جانب كبير على العاطفة واحياء الذكرى لذا نفذ الشعر العربي الى المراثي الحسينية والقصائد اكثر من الشعر الفصيح بخاصة تلك القصائد التي تقرأ كمراثي في المجالس الحسينية، وعلى مستوى الفن التشكيلي فقد حفلت المعارض التشكيلية بلوحات تحاكي الثورة الحسينية وتنقل صور ولمحات سواء مباشرة او بطريقة رمزية عن ملحمة عاشوراء ، ليس عند الفنان العربي والمسلم وحسب ، فهذه اللوحة النادرة لمقام الراس الشريف للإمام الحسين في القاهرة قد رسمها الفنان الفرنسي المستشرق (جان ليون جيروم) في القرن التاسع عشر في حقبة الغزو الفرنسي لمصر بقيادة نابليون بونابرت ، وتحتفظ بعض المتاحف العالمية بلوحات عن القضية الحسينية فقد حصل المتحف البريطاني على لوحة من الكتّان بعنوان (من هو الحسين) وهي للفنان التشكيلي تشارلز حسين زندرودي كان قد 1958. وفي ولاية نيويورك الأمريكية يحتفظُ متحف (بروكلن) بلوحة عن واقعة الطف وهي عبارة عن بانوراما وأٌطلق عليها اسم (ذا بتل أوف كربلاء).
كما ان هناك معارض تشكيلية سنوية تقام في اغلب المدن العراقية ومنها (معرض الطريق الى كربلاء) الذي تنظمه كلية الفنون الجميلة في جامعة البصرة وهو معرض سنوي يخصص لمحاكاة القضية الحسينية انطلق بعد 2003 وحتى الان فضلاً عن معارض للصور الفوتوغرافية تقام سنويا في المسير الى كربلاء خلال زيارة الأربعين، وفي الجانب التواصلي الأهم واعني المسرح فقد برز المسرح الحسيني بشقيه (مسرح التشابيه وهو محاكاة واقعية تاريخية للحادثة الحسينية) ومسرح التعزية الحسيني القائم على الفكر ويقام لهذا المسرح مهرجانات سنوية ومنها مهرجان ينابيع الشهادة المسرحي الذي وصل لغاية العام الحالي لنسخته العاشرة ،فضلا عن مهرجان الحسيني الصغير لمسرح الطفل فضلاً عن صدور مجلة في العراق تحت عنوان ( المسرح الحسيني) فضلا عن وجود العديد من العروض التي تقدم سنوياً تحت عنوان المسرح الحسيني وكذلك كتب عن ذلك الامر العديد من رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه ومنها (القيم الروحانية لشخصية المرأة في نصوص المسرح الحسيني) ورسالة الماجستير الموسومة (الاشكال ما قبل المسرحية ومرجعياتها الانثروبولوجية (التعزية أنموذجاً)) ورسالة (خصوصية الاداء التمثيلي في عروض التعازي الحسينية في العراق) التي تحولت الى كتاب قبل أيام، وغيرها من البحوث والدراسات المتواصلة ، كما لا ننسى دور عبدالرحمن الشرقاوي في مسرحيتي (الحسين ثائرًا والحسين شهيدًا) وعبدالرزاق عبدالواحد في مسرحية (الحر الرياحي) ومسرحية (الحسين يموت مرتين) للكاتب المغربي (عبد الكريم برشيد) ومسرحية محمد علي الخفاجي (ثانية يجيء الحسين) وكان للسينما والدراما نصيباً من ذلك وقدمت عدة اعمال تتعاطى مع القضية الحسينية وان غلب عليها الطابع التاريخي. ان ثمة العديد من الفنانين والادباء وثقوا القضية الحسينية بتمظهراتها المختلفة بالمقالات والبحوث والدراسات والقصص والسيناريوهات، أي اصبح ثمة ادب يتعلق بالقضية الحسينية وصار لهذا النوع من الادب حضوراً ومهرجانات وجوائز ومسابقات ومؤلفات ونوافذ إبداعية متنوعة للتنافس بخاصة خلال شهري محرم وصفر من كل عام وهو ما يعطي القيمة الحقيقية التي أرستها الثورة الحسينية آنذاك وحتى اللحظة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat