جاء في کتاب مقامات فاطمة الزهراء في الكتاب و السنة للشيخ محمد السند: مقامات السيدة مريم عليها السلام: عن بشارة مريم عليها السلام: كما أن البشارة لمريم وتكليمها الملائكة حين قيامها لله تعالى منتبذة قومها قائمة لله قال تعالى "وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا" (مريم 16-17). وتكليم نبي الله زكريا لله تعالى بلا واسطة، قال تعالى حكاية عن زكريا: "قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ" (آل عمران 40) وهو نظير ما حدث لمريم عليها السلام، قال تعالى حكاية عن مريم: "قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ" (آل عمران 47). فكلاهما عرضا مقتضي الامتناع عن قابليتهما لبشارة الغلام، اذ احتج زكريا كون امرأته عاقراً غير مقتضية للحمل وهي في هذا السن المتقدم، ومريم احتجت بكونها غير قابلة للحمل لعدم امكان ذلك من دون زوج، وكان جوابه تعالى لهماواحداً: "قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ" (آل عمران 40) مما يدلل على وحدة المقام لكلا الحالتين حالة زكريا وحالة مريم فضلًا عن ارتباط المهمتين، والتشابه بين البشارتين تتكفله سورة مريم، قال تعالى: "أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ" (آل عمران 39). على أنا لانغفل عما تقدم من دعاء زكريا من كون دعائه في طلب الولد كان معللًا بخوفه الموالي من بعده أن لا يحسنوا خلافته، اذ كان زكريا مشفقاً على دعوته أن لا يخلفها أحد من بعده، فهو سيخلف من ورائه موالي سوء، لا يحسنون خلافته في دعوته فضلًا عن وراثته مما ترك، مما يعني أن يحيى سيواجه خطر التنافس على وراثة أبيه فضلًا عن عدم التصديق به من قبل قومه ومواليه، وكون هؤلاء يتحينون موت زكريا ليتوثّبون على خلافته، وسيكون لمريم وابنها أثراً مهماً في تأييد دعوة يحيى وتصديقه، إتماماً لرسالة زكريا ودعوته وحفظهما من الضياع الذي سيؤول إليه تنافس قومه، فمريم عليها السلام سيكون موقفهما موقف المدافع والمصدّق لرسالة زكريا في حفظ يحيى من تكذيب قومه ووثوبهم على خلافته، لكونهما يشتركان في نفس المهمة. وسيأتي التماثل بين فاطمة وبين مريم في مقامي الحجية، فانّ فاطمة عليها السلام أيضاً أثبتت بحجيتها خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله المتمثلة في علي بن أبي طالب عليه السلام إبّان صراعها ومدافعتها المتوثبون للخلافة حيث تحفزوا أن يخرجوا وراثة الرسول صلى الله عليه وآله من آله عليهم السلام، تماماً كما تماثلت ظروف وراثة زكريا وما آلت اليه الخلافة الالهية ليحيى حيث قتلوه ونكلوا به أخيراً.
وعن حجية مريم بنت عمران عليها السلام يقول الشيخ محمد السند: وحجية مريم صرّح بها القرآن بقوله تعالى "وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً" (المؤمنون 50) والآية هي الحجة أي جعلنا عيسى وأمّه حجة، عن يحيى بن أبي القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّوجل "و جعلنا ابن مريم و أمّه آية" قال: (أي حجّة)، فحجيّتها عليها السلام في عرض حجية ولدها نبي الله، بل حجيتها سبقت حجية عيسى، كماأن حجية عيسى تلت حجيتها زماناً واقتضاءً. فالترتب الزماني بين الحجتين ظاهر، إذ كان تكليم الله لها وكذلك الملائكة قبل ولادة عيسى بفترة، على أن السبق الزمني لا يكون بالضرورة لخصوصية معينة، وانّما هي أشبه بحالات ارهاص لنبوّة عيسى عليه السلام ولا شك أنها خصوصية عظيمة ومنزلة رفيعة. فقوله تعالى "وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ ية" (المؤمنون 50) أي انّ المسيح وأمّه كليهما من أصول الديانة المسيحية بل من الاعتقادات اللازم الاعتقاد بها عند المسلمين أيضاً لوجوب الايمان بكل كلمات الله وآياته وكتبه ورسله وآياته وحججه لقوله تعالى "آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ" (البقرة 285)، أي انّ مريم عليها السلام من الحجج الالهية. كما سيأتي بيان الآيات الأخرى المفسرة لمعنى كونها آية. كما أنها مقتضٍ لنبوّة عيسى عليه السلام لكونها قد حضيت بتكليم الله تعالى فضلًا عن تحديث الملائكة لها، وتلقيها البشارة كما أن تبتلها ومقامها وفضلها كان احدى مرتكزات بني اسرائيل كما يشير الى ذلك قوله تعالى "وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ" (آل عمران 44) وقوله "فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً" (آل عمران 37) مما أكد على مصداقيتها لديهم فكان قبول معجزةعيسى ونبوّته بعد ذلك احدى موجبات حجيتها لديهم، لذا فان أخيارهم وعقلائهم قبلوا المعجزة وسلّموا لها، وبقي جهالهم وطغاتهم يخوضون في بهتانها وايذاءها وهو شأنهم. فأمُر الله تعالى لها بتحمّل مسؤولية الإنجاب بطريقة المعجزة من دون زوج احدى مقتضيات نبوّة عيسى وشريعته المباركة، فحجيتها عليها السلام هي من حيث إنها المبلّغ الأول لبعثة النبي عيسى وشريعته المسيحية، حيث أنها أمرت من قبل الله تعالى بتحمل مسؤولية الإنجاب بطريقة المعجزة. فبلوغ مريم الى مراتب الحجية كان سبباً في تأسيس الشريعة العيسوية واكتمالها.
جاء في کتاب مقامات فاطمة الزهراء في الكتاب و السنة للشيخ محمد السند: مقامات السيدة مريم عليها السلام: حمل المولود المعجزة: كما أن حمل المولود المعجزة والمجيء به الى قومها تُعد احدى أخطر مهامها وأصعبها تحمّلًا فهي مجاهدة ومخاطرة بالعِرض وهو أشد للغيارى من قتل النفس. اذ لم يكن من اليسير أن تتحمل أقدس عفيفة في زمانها مسؤولية التهمة والبهتانومحاولة تحدي أمّة لم تصل الى مستوى الرشد، بل لازالت في حضيض الجهل والسوء فكانت معاناتها النفسية مما هي فيه من الاستحياء ومخافة اللوم ما ادّى بهاالى تمني الموت "قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا" (مريم 23) قال ابو عبد اللّه الصادق عليه السلام: (لأنها لم ترَ في قومها رشيداً ذا فراسة ينزّهها من السوء) مما يكشفشدة معاناتها ووطأة المهمة الملقاة على عاتقها، الا أن ذلك لم يفتَّ في عضدها، ولم يحبط همّتها، ولم يزعزع تسليمها وانصياعها وطاعتها لله تعالى ولأمره شعرة، بل ذهبت مع ما فيها من آلام التوجسات والخواطر، تحمل ولدها المعجزة لتثبتبكل تسليم واقتدار تحمّل المسؤولية المباركة، ويكشف في الوقت نفسه ما وصلت اليه من الاكتمال في التسليم والانصياع وتحمل المسؤولية من حين تحديثهاالملائكة وقبولها لذلك، ولم يصدر منها أدنى تردد أو اعتذار لقبول المهمة، ممايعني بكل تأكيد كونها طرفاً مهماً في بلوغ الرسالة العيسوية هذا المبلغ من الاقتدارعلى تحدي طغام بني اسرائيل ولئامهم وزحفها مخترقة كل حواجز اليهودية المتربصة لرسالات السماء. فتلخص: أولًا: أن الذي بدأ بإبلاغ بعثة النبي عيسى هي مريم عليها السلام وهو نمط فريد في بعثة الرسالات الالهية أن يكون الحامل الأول للبعثة هي امرأة. ثانيا: انّه يدلل على كمال إيمان مريم بما اوحى لها من الاوامر الالهية من دون توسط نبي فيما بينها وبين الله تعالى. ثالثاً: انّه يدل على حجية الوحي للمرأة المصطفاة المطهرة، ولو قدّر العياذ بالله أن مريم لم تؤمن بما اوحي اليها ولم تمتثل ما أمرت به مباشرة لكان في ذلكإحقاق للمعجزة الالهية على نبوّة عيسى وبعثته بديانة ناسخة لشريعة موسىعليه السلام، أي ولادته من غير أب، فمن ثم كانت عصمة مريم وانها من الصفوة المنتجبةللحجية على العباد آية الهية مع إبنها، على حقانية بعثة ونبوّة وشريعة النبي عيسى عليه السلام في زمانه، فمن ثَم جُعلت من أصول الديانة والشريعة العيسوية كما قالتعالى "وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً" (المؤمنون 50) بل هذه الآية الالهية واجبة الاعتقاد في الشريعة الاسلامية لوجوب الاعتقاد بكل آيات الله وكلماته وكتبه ورسله، وسيأتي نظير هذاالمقام للزهراءعليها السلام حيث احتج الله تعالى بها على حقانية نبوّة سيد المرسلين وبعثته وشريعته كما في آية المباهلة، واعطاها الله تعالى مقام ودور صاحب الدعوة للدين من قبله تعالى، وأن الخمسة أصحاب الكساء صادقون فيما يبلغونه عن الله تعالىمن شريعة الاسلام ونبوّة سيد الرسل. كما أن حجية مريم عليها السلام اصلًا من أصول الديانة المسيحية، إذ كونها هي وابنه اآية، أي حجة يجب على معتنقي المسيحية التسليم لها وقبولها والاعتقاد بها فهي المتمم لحجية عيسى ورسالته. فنرى أن القرآن الكريم في السور العديدة لا يدحض اعتقاد المسيحيين والنصارى في جعلهم مريم وعيسى كليهما من أصول الاعتقاد والديانة بل يدحض تأليههم لهما، فلا يخطّئهم في كونهما من أصول الدين بل غاية الأمر أنه يحدد غلوهم الذي هو في تأليههم في مريم وعيسى، فيؤكد القرآن على بشريتهما مع تصريحه بكونهما معاً آية وحجّة. قال تعالى: "وَ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّه" وقوله تعالى: "مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ" (المائدة 75).
وعن مراحل الاعداد والاصطفاء يقول الشيخ محمد السند: ولم تزل مريم ابنت عمران تحضى برعاية الرب ورضوانه طالما نذرت نفسها لطاعته وعبادته وانقطاعها اليه، فيغدقها بالرحمة ويحبوها بالكرامة ومن ثم يصطفيها لحجيته ويطهرها على نساء العالمين. ولم يكن الاصطفاء إلا بعد مراحل تتدرج فيها مريم ابنت عمران فقبولها منقبل الله قبولًا حسناً وانباتها إنباتاً حسناً ومن ثم فهي تحت قيمومة النبوّة ورعاية الرسالة، أمر موجب لخصائص الاصطفاء والتطهير لتلك المرأة التي سلّمت ارادته اللمرأة الصالحة امرأة عمران أمّها التقية حين نذرت ما في بطنها محرراً لله تعالى، وبالفعل تستجيب تلك الطاهرة لارادة الله فتنقاد مسلّمة لطاعته وعبادته، وهي أولمرحلة تظهر فيها مريم قابليتها على الاصطفاء وقدرتها على تلقي ارادات الله تعالى، وإلا فمن غير اليسير أن تستجيب فتاة في الانقطاع عن الدنيا وملذاتها لتبتلها للوفاء بنذر أمّها حتى كانت تحت ارادتها طيّعة بارّة مطمئنة بقضاء الله تعالى عابدة متبتلة بكل ايمان وشوق وانقياد مما يكشف عن مكنون الايمان الذي أودع في مطاوي تلك النفس الكريمة واستحقاقها بكل جدارة تحمّل المسؤولية الإلهية فيالحجية والاصطفاء قال تعالى: "إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَ إِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَ إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ" (آل عمران 35-37). فالاعداد لكي تكون مريم محلًا صالحاً للحجية يجري تحت رعاية الله تعالى وبقيمومة زكريا نبي الله الذي أوكل بمهمة الإعداد هذه. ومن هنا فستكون مراحل الإعداد لفاطمة الزهراء عليها السلام تشمل مرحلتين: الأولى: إعداد النبي صلى الله عليه وآله لتلقي هذه الكرامة وقبولها. و الثانية: اعدادهاعليها السلام تحت رعاية الرسالة وقيمومة النبوّة، وقد قال تعالى في مناقب مريم "وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا" (آل عمران 37)، وفاطمة عليها السلام قد كفّلها سيد الانبياء فضلًا عن سيدالأوصياء، فتلك المنقبة لها بنحو أرفع وأعظم. اذن فبعدما بلغت مريم مراتب الكمال لقابلية الاصطفاء نادتها الملائكة ببشارةالاصطفاء "وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ" (آل عمران 42) والآية معطوفة على قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ" (آل عمران 33) مما يعني انّ اصطفاء مريم كان بمستوى اصطفاء الانبياء من آدم ونوح وآل ابراهيم أي اصطفاءً نبوياً تختلف ماهيته بحسب حيثيات النبوّة والامامة التي لا تكون إلا في سنخ الرجال بخصوصيات ليس هنا محل بحثها. فاصطفائها الاول هو قبولها لعبادة الله ومن ثم تطهيرها بعصمة الله و بالتالي اصطفائها لحجيته، فمراحل الاصطفاء تتدرج من نشأتها وتترقّى بتطهيرها وتكتمل بحجيتها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat