صفحة الكاتب : د . خليل خلف بشير

الأغراض التربوية في أدعية الإمام السجاد (عليه السلام)
د . خليل خلف بشير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الدعاء في الإسلام ركن ركين، وكهف حصين، وواحة أمان وطمأنينة يلجأ إليه الإنسان المسلم عندما تداهمه الخطوب، وتنتابه العلل، وتتلبّد أمامه الأجواء فيحسّ بالاختناق في كل لحظة، ويفتش عن المتنفس، ويبحث عن (الإنعاش)، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى حيث قال: (وَإِذا مَسَّ الإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً..- يونس:12 ).
وهو شعور فطري بوجود القوّة الأعظم، واليد الغيبية التي تمتد في اللحظة المناسبة لإنقاذ الإنسان من محنته، على أن الأحاديث الشريفة التي هي تعبير عن روح القرآن أكدت على أن للدعاء أهدافاً وحكماً كثيرة لو عرفها الإنسان لاكتشف كنزاً عظيماً.. اكتشف علاجاً لمشاكل عويصة يعيشها في حياته.. وحلاًّ للمصاعب التي تعترضه.. واكتشف بالتالي شفاءً لما في صدره من الآلام والأدران.
وفي طليعة هذه الأحاديث ما روى عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: ((الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض)).
إن المؤمن يواجه في حياته مخاطر كثيرة، وذلك بسبب ضعف نفسه، لأن الإنسان خلق من ضعف وركب في ضعف .قال تعالى (وَخُلِقَ الإِنْسانُ ضَعِيفاً – النساء/28)، وحياته محدودة، وعمره محدود، وعلمه محدود، وأخيراً تحركه في الدنيا محدود.
وربّ سائل يسأل : كيف يخرج الإنسان من هذا الضعف الذي يحيط به؟!
إنه يخرج بقوة خارجية، وبإمداد غيبي هو الاتصال بالله سبحانه وتعالى، والتوكل عليه.
كما أن الدعاء ـ كما في الحديث ـ عماد الدين، فللدين مظهر وجوهر، مظهر الدين هو الصلاة والصيام، والحج.. إلى آخر العبادات.. وجوهر الدين وعماده الدعاء، لأن جوهر الدين هو اتصال الإنسان بالله، وعماد الدين وهو عروج الإنسان إلى الله، فإن الله سبحانه وتعالى تحدث إلى الإنسان عبر القرآن الكريم، ولكن كيف يتحدث الإنسان مع الله سبحانه؟ إن مناجاة الإنسان مع ربّه هو الدعاء. وصاغ الإمام السجاد (عليه السلام) أدعية عالية المضامين بوحي من القرآن الحكيم تعتبر بحق دائرة معارف عليا لجميع المعارف الإلهية، ابتداءً من معرفة الله ومعرفة أسمائه الحسنى، وطرق التوسل إليه، واستمراراً مع صفات الرسل وانتهاءً بتكريس الصفات الرسالية عند الإنسان المسلم. لنتأمل المقطوعة الآتية في التربية الأخلاقية:
(اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واحجُبني عن السرف والازدياد وقوّمني بالبذل والاقتصاد، وعلّمني حسن التقدير واقبضني بلطفك عن التبذير، وأجر من أسباب الحلال أرزاقي، ووجّه في أبواب البرّ إنفاقي وأوزعني من المال ما يحدث إليّ مخيلة، أو تأدّياً إلى بغي، أو ما أتعقب منه طغياناً، اللهم حبّب إلي صحبة الفقراء، وأعنّي على صحبتهم بحسن الصبر، وما زويت عنّي من متاع الدنيا الفانية فادخره لي في خزائنك الباقية، واجعل ما خوّلتني من حطامها وعجّلت لي من متاعها بلغة إلى جوارك، ووصلةً إلى قربك، وذريعة إلى جنتك، إنك ذو الفصل العظيم وأنت الجواد الكريم).
إن التأمل في فقرات هذا الدعاء الرائع يرفع الإنسان أعلى مراتب الشعور الإنساني حيث يشعر المرء بحب الصحبة للفقراء.. والابتعاد عن أخلاق الطغاة.. وبالذات (الطغيان الناشئ من الغنى والثروة). كما يعلمنا الإمام (عليه السلام) كيف ينبغي أن نصرف المال بدون تبذير. ولكن مع الإنفاق في وجوه البر والإحسان.. كما يذكّر الإنسان بأن الهدف الأقصى هو بلوغ الآخرة، عند جوار الرب الكريم.. وليس التلذذ بالمتاع الزائل والملذات الفانية في هذه الحياة.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . خليل خلف بشير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/07/30



كتابة تعليق لموضوع : الأغراض التربوية في أدعية الإمام السجاد (عليه السلام)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net