صفحة الكاتب : د . خليل خلف بشير

التفكير الصوتي عند الخليل
د . خليل خلف بشير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 نشأت الدراسة اللغوية العربية بعامة، والدراسة الصوتية خاصة نتيجة لاحتياجات عملية تتصل بتلاوة القرآن الكريم وتفهم أحكامه ثم تعليم العربية لمن دخل الإسلام من غير العرب ومن ثم فليس غريباً أن تستند معظم الروايات التاريخية أول نشاط عند العرب لقارئ من قراء القرآن الكريم هو أبو الأسود الدؤلي (ت69 هـ) الذى استخدم النقط ليرمز به إلى ظواهر صوتية اعتمد في رصدها على الملاحظة المباشرة لحركات الفم بما لها من صلة بنطق هذه الأصوات بل لقد كان معظم النحاة واللغويين الأوائل من القراء، وقد مهد هؤلاء السبيل لظهور علم الأصوات عند العرب بفضل ما لاحظوه وما أثاروه من مشكلات تتعلق بنطق بعض الكلمات في آيات القرآن الكريم نتيجة لاختلاف اللهجات العربية واختلاف المصاحف، وما لاحظه بعضهم أيضاً من تغير في نطق بعض أصوات العربية على ألسنة الأعاجم والمولدين غير أن تلك الملاحظات الصوتية التي أثارها القراء وعلماء اللغة، والتي تراكمت خلال قرن كامل لم تأخذ صورة الدراسة المنظمة إلا على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي الذى يعد صاحب أول دراسة صوتية.
ولما كان عمل المعجم يقوم على أساسين هما: الترتيب والشرح أي ترتيب المفردات وفق نظام معين ثم شرح دلالات هذه المفردات فقد رأى الخليل بن أحمد الفراهيدي أن الترتيب الصوتي وفق مخارج الأصوات الأرفع فالأرفع نظام مناسب يرتب على أساسه الكلمات داخل المعجم، وكان اختيار الخليل لهذا النظام؛ لأن الترتيب الصوتي يتيح له حصر الكلمات وفق المادة الأولية التي تتألف منها.
ولما كانت الكلمات تتألف من أصوات فقد بدأ الخليل بدراسة أصوات العربية التي تتألف منها الكلمات وصنفها وفق المخارج والأحياز والمدارج، وتفرد الخليل بمنهجه الخاص في دراسة الأصوات العربية وارتباط هذه الأصوات بالعمل المعجمي فكان يختلف في منهجيته عن مناهج العلماء الذين عاصروه والعلماء من بعده في دراستهم للأصوات العربية، وقد تجلى تفكير الخليل في علم الأصوات من خلال:
1-    دراسته للصوت المفرد، وعملية إنتاج الصوت اللغوي ومدى معرفته لأعضاء النطق وتصنيفه للصوامت والصوائت من حيث المخرج والصفة.
2-    دراسته للصوت داخل البنية ومفهوم الفونيم والتركيب الفونولوجي عنده وبنية الكلمة العربية من الناحية الفونولوجية وتصوره للتغيرات والتبادلات الفونولوجية بما لها من صلة بالدلالة وحصر الكلمات رياضياً.
3-    تعرضه لبعض الظواهر الفونولوجية، وقد تجاوز علوم ومعارف عصره عند وضعه لهذه الظواهر الفونولوجية تحت قانون عام يفسرها به، وهو ما يشير إليه المحدثون والمعاصرون من علماء اللغة والأصوات باسم قانون الجهد الأقل أو الحد الأدنى، وقد عبّر عن هذا القانون بمصطلحات متعددة مثل: (الاستخفاف، والتخفيف، والخفة، وسعة الكلام)، وكثيراً ما كان يرجع الظواهر اللغوية التي يلجأ فيها العرب الى هذا اللون من تقليل الجهد في الكلام الى كثرة الاستعمال.
وقد تعرض لعملية إنتاج الصوت اللغوي التي تقوم على ركائز تتمثل بما يأتي:
1-    تيار التنفس الناتج من عملية الشهيق.
2-    اعتراض هذا التيار بواسطة النواطق في موضع معين من جهاز النطق.
3-    اهتزاز الوترين الصوتيين أو عدم اهتزازهما.
فالعوامل التي يصفها المحدثون لعملية إنتاج الصوت لم تغب عن ذهن الخليل بيد أن هنالك اختلافاً في التفاصيل بين الخليل والمحدثين، وهو اختلاف يرجع الى التفكير العلمي.
وفي تقسيمه لأعضاء النطق أدرك دور كل عضو ووظيفته في عملية النطق، وقد رتّب أصوات العربية في تسعة أحياز، وتقسيمه هذا يتفق مع تقسيمات المحدثين بصورة عامة مع اختلاف الأسماء أحياناً، وذلك عند استثناء الحنجرة والوترين الصوتيين.
وفي تصنيف للصوامت على الجوانب النطقية والوظيفية دون الفيزيقية؛ لأنه لم يتعرض للجهر والهمس بصورة مباشرة، ويختلف في تصنيفه هذا عن سيبويه فالخليل صنف الصوامت وفقاً للمخرج والحيز الأرفع فالأرفع، ويرجع الخلاف الى اختلاف الغاية فكتاب العين معجم ينظر الى البنية الصوتية في حال التأليف والتركيب، وسيبويه يدرس الأصوات ويصنفها تمهيداً لدراسة الإدغام.
أما الصوائت التي هي الفتحة والكسرة والضمة والألف اللينة أو الفتحة الطويلة والياء أو الكسرة الطويلة والواو أو الضمة الطويلة فقد أشار الخليل في مقدمته لكتاب العين الى الحركات الطويلة، ولعدم معرفة الخليل بالوترين الصوتيين ولارتباط الصوائت جعله يكتفي بنسبتها الى الهواء، وقد صنّف الهمزة مع الصوائت لملاحظته أنها تشترك مع الصوائت في مسلكها الفونولوجي من حيث التغير والانقلاب والسقوط كالتبادل بينهما في سياقات صوتية مثل قايل من قائل وبايع من بائع وهكذا.
لقد مزج الخليل بين التفكير اللغوي والمنطقي والرياضي ولاسيما في حصره المستعمل والمهمل من كلام العرب، وهو بهذا يعد من أوائل العلماء الذين اكتشفوا النظام المنطقي والرياضي الذي عليه اللغة الإنسانية، أما ما جاء من اضطرابه في وصف بعض أصوات العربية جاء نتيجة لنقص في معارف عصره لا من تصوره وتفكيره العلمي.                                                          


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . خليل خلف بشير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/10/18



كتابة تعليق لموضوع : التفكير الصوتي عند الخليل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net