الشيخ محمد آل حيدر في نهاية الموسم الدراسي ..توجيه طلبة دار الحكمة حول موسمي التبليغ في محرم وصفر

 تشرفتُ بلقاء أبنائنا من طلبة دار الحكمة في آخر لقاء في الموسم الدراسي الثاني لسنة 1445 وهو الموسم الدراسي الثامن والثلاثون للمدرسة، وقد باركنا لهم مناسبات شهر ذي الحجة الحرام، وتم التركيز على أهم ماينبغي لطلبة العلم تبليغه للمؤمنين، وخصوصاً أنهم سيتواصلون مع المؤمنين لأكثر من شهرين، وهذه فرصة مهمة وفسحة جيدة للعمل التبليغي، وعلى الأخص بالنسبة للخطباء، ونحن في شهري الخطابة والشعائر الحسينية، وينبغي التركيز على أمور:
أولاً: في الجانب الشعائري: وجرى التنبيه على ما يلي:
1- التركيز على ضرورة الشعائر الحسينية، والإلتزام بها، وأن يحثوا المؤمنين على حضور المجالس الحسينية الخطابية النافعة، وأن يكون الإهتمام في العشرة الأولى على بيان الفاجعة الحسينية العظمى، ودور العَبرَة الشيعية في حفظ الحقائق الدينية والفكرية، وأخذ العِبرَةِ منها.
2-التأكيد على ضرورة أن يكون طالب العلم الذي يتخذ من منبر الحسين عليه السلام سبيلاً للعمل التبليغي أن ينتبه الى خطورة الأمر وأهميته الدنيوية والأخروية، وأن يكون واعياً لخطورة المرحلة، وعليه ان يتصرف كطالب علم، متبعاً منهج من سلف من أعلام المنبر، إذ لم يكن معهوداً أن يكون طالب العلم (رادوداً) لأن الرادود ليس له إلا أن يردد مايقوله الشاعر، مع أن طالب العلم له شخصيته العلمية، التي ينطلق بها لتقديم الحقائق التي تعلمها في الحوزة ونظّم فكره وتفكيره عليها، تقديمها الى المؤمنين بالإسلوب المؤثر في نفسياتهم وعقلياتهم ليتنوروا بالأنوار الحسينية، وليس من مقدمات وظيفته الإهتمام بالأطوار وتأثيراتها، وأخذ الفكرة من الشاعر. مع ما للشعراء والرواديد من أهميةٍ في إستدرار العَبرةِ وتقويم العِبرَة. 
ثانيا: الجانب الإجتماعي:  
1- التركيز على المشترك الأهم بين المؤمنين، وهو الفاجعة الحسينية، من دون إقحام المنبر - وهو مصدر مهم من مصادر التثقيف الإيماني- في النقاط المفرقة والتي لاثبات لها، كالإختلاف في التقليد، أو إقحام المنبر في الشأن السياسي والحكومي، أو تعظيم بعض السلبيات وتصويرها كأنها هي الوجه الحقيقي للمؤمنين، وغير ذلك من القضايا التي تشكل نقاطاً حرجةً في العلاقات بين المؤمنين أعزهم الله جميعاً.
2- التركيز على ضرورة إحسان الظن بالمؤمنين، وأن لايكون سوء الظن هو القاعدة الأساسية في العلاقات بين المؤمنين، على أن لايعني هذا التوغل في حسن الظن الى حد السذاجة، بل يكون مع الإنتباه الى التعقل من جهة وعدم الخروج عن التكليف الشرعي من جهةٍ أخرى في التصرف مع الآخرين، وخصوصاً إذا مابنينا تسامحاتنا وغض النظر عن أخطاء الآخرين من الشيعة بحقنا، بنيناها على أن السكوت عنها إنما يكون لعيون علي والحسين صلوات الله عليهما، وكم سيكون ذلك نافعا لنا في الدنيا والآخرة.
ثالثا: الجانب التثقيفي: ترتكز الثقافة الإسلامية على ثلاثة مرتكزات أساسية؛ العقيدة والفقه والأخلاق:
العقيدة: وقد كان الحث على التركيز على المشكلة العظمى التي تشكل خطراً كبيراً على الدين وينبغي مواجهتها، وهي مشكلة إنتشار الفكر الصوفي، وقد تم التطرق الى أن هناك نقاطاً أساسية يمكن التعرف منها على التوجه الصوفي للمتكلم، حتى وإن لم يشعر هو بذلك، ومنها:
أ- تركه ماورد في النصوص الشريفة من ضرورة الموازنة بين حالتي الخوف والرجاء في العلاقة مع العزيز الجبار سبحانه وتعالى، والتركيز على حالة الرجاء فقط. 
ب- ترك ما تعلمه الشيعة من أئمتهم عليهم السلام من مصطلحات الخطاب الفكري وإستبدالها بمصطلحات خطاب صوفية كالعشق والأقواس الصاعدة والنازلة، وغير ذلك من التعابير الصوفية.
ج- التركيز على القلب وجعل العقل في مرحلةٍ تالية، وجعل المكاشفات والأحلام والنقولات غير المنضبطة أساسا لبناء الأفكار والتوجهات والسلوكيات.
د- التلميح أو التصريح الى ذم الفقهاء رضوان الله عليهم، وتفضيل بعض الأسماء عليهم، وبيان أن أعلام المذهب هم أهل الكشوفات والفلسفات، وأنهم هم أهل التنور والفكر والبناة الحقيقيين للفكر الديني كالحلاج وملا صدرا وأشباههما، مع ماعليهم  من الطعون في الدين والفكر.
الفقه: وينبغي التركيز على الإبتلاءات الخاصة بالبيئة التبليغية، والتعرف عليها ولو بالسؤال أو بأي وسيلة أخرى، هذا من جهة ومن جهةٍ أخرى التركيز على الإبتلاءات العامة للمجتمع، ومن أهمها:
1- البر الأسري، إذ تشهد العوائل ضعفاً في أكثر من جهة، في العلاقات الأسرية، وينبغي الحث على أن يكون كل فرد في الأسرة بارا بالآخرين، وأن عمدة هذا البر عدم التجاوز على الأحكام الشرعية، كضرب الزوجة والأبناء تشفياً، أو الإنشغال عن الوالدين بحجة عدم الفراغ، أو ترك الأبناء بدون مراقبةٍ ومتابعةٍ ومحاسبة.
2- التنبيه الى خطورة مواقع التواصل الإجتماعي وضرورة أخذ الأحكام الشرعية بنظر الإعتبار فيها، وخصوصا في بعض كبائر الذنوب كالغيبة وإشاعة الفاحشة والمساس بالسلم المجتمعي العام وترك التقية وغيرها من الجرائم المقررة في الرسائل العملية.
3- المحافظة على أوقات الصلاة، وادائها في أول وقتها، فإنها تكسر ظهر الملهيات والإفراط في التواصل مع مواقع التواصل الإجتماعي، وخصوصا إذا أُضيفت لها صلاة الليل.
الأخلاق: نظرا للإكثار من ممارسة التواصل عبر مواقع التواصل الإجتماعي  والفضائيات، تتولد حالةٌ من عدم الإكتراث بالغيرة الرجولية، وعدم الإشمئزاز من المناظر الدموية، مما ينعكس على تصرفات الإنسان المؤمن الخارجية وردود فعله النفسية أمام المواقف الإعتيادية، بل والمفصلية، مما سيؤدي الى تراكم سلبياته عبر الأجيال، ليشكل مدخلاً شيطانياً مهما لأجيالنا اللاحقة، فضلا عن الوضع الآني.
رابعا: الجانب الدراسي: ستعطل الدراسة الحوزوية لأغلب الطلبة لمدة تتجاوز الستين يوماً -وإن كانت مدرستنا لاتعطل في شطرٍ منها إلا اسبوعين فقط- وهذه المدة الطويلة كفيلة بتذويب الكثير من التنظيم العلمي للطالب، إذا لم يتخذ إحتياطه لذلك، فعلى الطالب تحمل مسؤولية الحفاظ على التواصل العلمي، وتحمل مسؤولية أمانة الحوزة التي في أعناق طلبتها، حوزةٌ أسسها سيد الوصيين عليه السلام، وقومها صادق المطهرين عليه السلام ووسعها شيخ الطائفة (رض) وقومها العلماء بمدادهم ودمائهم. فعلى كل طالب أن يتباحث ويتدارس ويقرر ولو درساً واحدا في اليوم، ولو بإستثمار التطور التكنلوجي في التواصل العلمي اليومي مع أساتذته وزملائه، وخصوصا أن الإمتحانات العامة للحوزة تتزامن مع بدايات صفر، وإمتحانات المدرسة مع بدايات ربيع، وعلى طالب العلم أن يعتمد على مذاكرته اليومية لدروسه، حتى في أيام التعطيل، ولايقتصر في بذل جهده على أيام التحصيل فقط، فإن هذا ربما يكون من المشاهد التي تُخجلُنا أمام من نلوذ بجواره؛ أمير المؤمنين عليه السلام، ومن ندرس في حوزته؛ الحجة المهدي عجل الله فرجه.
إن ماسبق بيانه على طوله وتفرعه، ولكن المجال له واسع أيضاً، إذ أن كل خطيب ومبلغ أمامه مالايقل عن 120 مجلساً في هذه الأيام، بل بعضهم -أعزهم الله تعالى- يخدمون في أضعاف هذا العدد من المجالس والجلسات.
أعظم الله أجرك يامولاي يارسول الله وياأمير المؤمنين ويا أم الشهداء ياشهيدة أمام الضلال القرشي وياأبا محمد الحسن وياأئمتي وسادتي.. السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، وعلى أبي الفضل بن أمير المؤمنين.وعلى رمز الصبر والثبات عقيلة بني هاشم .. وأرجو أن يكون تطويلنا بطائل والحمد لله رب العالمين. 
 

الموضوع السابق رونالدو قبل ضربة الجزاء: بسم الله!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat