عمر الانسان في القرآن الكريم (فتية، فتاه، فتيانه) (ح 3)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

كل مجموعة من حلقات السلسلة تنشر في أحد المواقع.
جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (فتا) "فتيان" (يوسف 36) مملوكان لأن العرب تسمي المملوك شابا كان أو شيخا: فتى، ومنه "تراود فتاها" (يوسف 30) أي عبدها، وفي الخبر الفتى المؤمن، وان أصحاب الكهف كانوا شيوخا فسماهم الله تعالى "الفتية" (الكهف 10) لايمانهم. وعن موقع عمون عن الفرق بين الغلام والفتى: هناك فرق في المعنى والاصطلاح بين كلمة "الغلام" وكلمة "الفتى" في اللغة العربية: الغلام يُصنف ضمن الأسماء في تقسيمات الكلمة العربية ويُشير إلى الصبي أو المراهق. جذر الكلمة هو "غلم"، ويُعنى بالصبي أو المراهق، وتجمع كلمة "الغلام" بـ"غلمان" و"غِلمة" و"أغلمة". الغلام يكون في مرحلة قبل مرحلة الشباب أو المراهقة. الفتى أيضًا يُصنف كاسم ويشير إلى الشاب الذي وصل إلى مرحلة المراهقة أو النضج. جذر الكلمة هو "فتا" ويعني الشاب. تجمع كلمة "الفتى" بـ"فتيان" و"فتية" و"فتو"، وللمؤنث "فتاة" وجمعها "فتيات". الفتى أكبر سناً من الغلام ويكون في مرحلة الشباب. من الناحية الاصطلاحية: الغلام يُستخدم للإشارة إلى الصبي حتى يصبح في سن البلوغ، ويكون عمره أقل من 19 عامًا ويزيد على 13 عامًا. الفتى يُستخدم للإشارة إلى الشاب الذي وصل إلى مرحلة المراهقة أو النضج، ويكون عمر الفتى في تخطيه لعمر 19 عامًا، مما يعني أنه أكبر سنًا من الغلام. تُذكر كلمتا "الغلام" و"الفتى" في القرآن الكريم في سياقات مختلفة للإشارة إلى الصبي والشباب على التوالي.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل جلاله "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى" ﴿الكهف 13﴾. وكما قُلنا فإِنَّ "فتية" جمع (فتى) وهي تعني الشاب الحدث. وبما أنَّ الجسم يكون قوياً في مرحلة الشباب، فهو على استعداد لقبول نور الحق، ومنبع للحب والسخاء والعفة. ولذا كثيراً ما تُستخدم كلمة (الفتى والفتوة) للتدليل على مجموع هذه الصفات حتى لو كانَ أصحابها من المسنيّن. وتشير الآيات القرآنية وما هو ثابت في التأريخ إِلى أنَّ أصحاب الكهف كانوا يعيشون في بيئة فاسدة وزمانَ شاعت فيه عبادة الأصنام والكفر، وكانت هُناك حكومة ظالمة تحتمي مظاهر الشرك والكفر والإِنحراف. مجموعة أهل الكهف الذين كانوا على مستوى مِن العقل والصدق أحسّوا بالفساد وقرروا القيام ضدَّ هذا المجتمع، وفي حال عدم تمكنهم مِن المواجهة والتغيير فإِنّهم سيهجرون هذا المجتمع والمحيط الفاسد. قوله عز وعلا "قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ" (الانبياء 60). صحيح أنّ إبراهيم طبقاً لبعض الرّوايات كان شاباً، وربّما لم يكن سنّه يتجاوز (16) عاماً، وصحيح أنّ كلّ خصائص الرجولة من الشجاعة والشهامة والصراحة والحزم قد جمعت فيه، إلاّ أنّ من المسلّم به أنّ مراد عبّاد الأصنام لم يكن سوى التحقير، فبدل أن يقولوا: إنّ إبراهيم قد فعل هذا الفعل، قالوا: إنّ فتى يقال له إبراهيم كان يقول كذا، أي إنّه فرد مجهول تماماً، ولا شخصيّة له في نظرهم. قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًاًً" (الكهف 60). إِنَّ المعنى بالآية هو بلا شك موسى بن عمران النّبي المعروف مِن أولي العزم، بالرغم ممّا احتمله بعض المفسّرين مِن أنَّ موسى المذكور في الآية هو غير موسى بن عمران عليه السلام، وسوفَ نرى فيما بعد أنَّ اعتماد هذا الرأي كان بسبب عدم استطاعتهم حل بعض الإِشكالات الواردة في القصّة، في حين أنّه كلما ورد اسم موسى في القرآن فالمراد به موسى بن عمران. أمّا المعني مِن "فتاه" فهو كما يقول أكثر المفسّرين، كما تُشير إلى ذلك العديد مِن الرّوايات: يوشع بن نون، الرجل الشجاع الرشيد المؤمن مِن بني اِسرائيل. واستخدام كلمة (فتى) في وصفه قد يكون بسبب هذه الصفات البارزة، أو بسبب خدمته لموسى عليه السلام ومرافقتهُ له. (مجمع البحرين) بمعنى محل التقاء البحرين، وهناك كلام كثير بين المفسّرين عن اسم هذين البحرين، ولكن بشكل عام يمكن إِجمال الحديث بثلاثة إِحتمالات هي: أوّلا: المقصود بمجمع البحرين هو محل اتصال (خليج العقبة) مع (خليج السويس) (إِذا المعروف أنَّ البحر الأحمر يتفرع شمالا إلى فرعين: فرع نحو الشمال الشرقي حيث يشكّل خليج العقبة، والثّاني نحو الشمال الغربي ويسمى خليج السويس، وهذان الخليجان يرتبطان جنوباً ويتصلان بالبحر الأحمر). ثانياً: المقصود بمجمع البحرين هو محل إِتصال المحيط الهندي بالبحر الأحمر في منطقة (باب المندب). ثالثاً: محل إِتصال البحر المتوسط (الذي يسمّى أيضاً ببحر الروم والبحر الأبيض) مع المحيط الأطلسي، يعني نفس المكان الذي يطلق عليه اسم (مضيق جبل طارق) قرب مدينة (طنجة). الإِحتمال الثّالث مُستبعد بحكم بعد مكان موسى عليه السلام عن جبل طارق الذي يبعد عنهُ مسافة كبيرة جدّاً، قد تصل فترة وصوله عليه السلام إِليه عدَّة أشهر إِذا انتقل بالوسائل العادية. أمّا الإِحتمال الثّاني، فمع أنَّ المسافة ما بينهُ وبين مكان موسى عليه السلام أقرب، إِلاَّ أنَّهُ مستبعد أيضاً بحكم الفاصل الكبير بين الشام وجنوب اليمن. يبقى الإِحتمال الأوّل هو الأقرب مِن حيث قربه إلى مكان موسى عليه السلام. وما يرحج هذا الرأي هو ما نستفيده مِن الآيات ـ بشكل عام ـ مِن أنَّ موسى عليه السلام لم يسلك طريقاً طويلا بالرغم مِن أنَّهُ كان مستعداً للسفر إلى أي مكان لأجل الوصول إلى مقصوده.
جاء في کتاب من هدى القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: قوله تعالى "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى" (الكهف 13) إن هؤلاء الفتية بشر وأيضاً لم يكونوا رسلًا، ولكنهم آمنوا بربهم وتحرروا من ضغط الجاهلية فأيدهم الله، وكذلك كل إنسان في العالم يملك إرادة التحرر، وعندما يضعها موضع التنفيذ فإنَّ هدى الله يأتيه ويؤيده. وفي الأحاديث إن هؤلاء لم يكونوا كلهم شبابا ولكن القرآن سماهم فتية، لأن الفتى أقدر على التغيير والنهضة، وعلى أن يبدل مسيرته ومنهاجه، والقرآن يتحدث عن هذه النهضة في الآية التالية، ويبدو أن كلمة الفتى تشير إلى من يملك الفتوة وهي الرجولة والبطولة والشجاعة قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام لرجل (مَا الْفَتَى عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ لَهُ: الشَّابُّ، فَقَالَ: لَا، الْفَتَى الْمُؤْمِنُ إِنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ كَانُوا شُيُوخاً فَسَمَّاهُمُ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِتْيَةً بِإِيمَانِهِمْ). "وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا" (الكهف 14) أي نهضوا ضد الكبت، ولكن لماذا يقول وربطنا على قلوبهم؟. ذلك لأنَّ الإنسان الذي يريد أن يتحرر من ربقة الطاغوت يرى في بداية أمره القضية غامضة، ثم يتقدم قليلًا فتتضح معالمها أمامه، ولكنَّه لا يملك القدرة الكافية على الصمود والمقاومة، فهنا يزيده الله إرادة وعزيمة، ويربط على قلبه حتى لا يتردد، ويستمر في قيامه متحرراً من الخوف. إن بداية القيام أن تنطلق أنت، ولكن بعد ذلك تجري حلقات النهضة بطريقة متتابعة وبتأييد الهي، أي أن الله سبحانه وتعالى يتولى أمرها فيزيد المؤمنين وضوحاً في الرؤية، ويقوي معنوياتهم، ويوفر لهم أسباب النجاح سواء بطريقة عادية أو غير عادية. قوله سبحانه "وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً" (يوسف 36) أي أرى نفسي وكأني أعصر عنبا ليصبح خمرا. وأنقذ الله يوسف عليه السلام من عذاب الإغراء ليمتحنه هذه المرة بالسجن، فلننظر كيف واجه الصديق هذه المحنة؟ لقد دخل معه السجن شخصان آخران يبدو أن كلا منهما كان أيضا مثله من الفتيان العاملين في بيوت الأشراف من الذين عصوا أوامرهم الجائرة، فزُج بهم في السجن، ودار بينهما وبين يوسف حوار رسالي.
عَن أميرِ المؤمنينَ عليه السلام، أنّه قالَ له النّبي ّصلى الله عليه وآله وسلم: (لو رأيتَ رجلاً على فاحشةٍ، قالَ: أسترُه، قالَ: إن رأيتَه ثانياً، قالَ: أسترُه بإزاري وردائِي، إلى ثلاثِ مرّاتٍ، فقالَ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: لا فتى إلّا عليّ). وقال صلى الله عليه وآله وسلم (استروا على إخوانِكم).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat