الوقاية من الانتحار.. جدل حول استراتيجية الحكومة حقيقة أم خيال؟

 مع تفشي ظاهرة الانتحار في العراق وتحولها إلى مرض يفتك بالنسيج الاجتماعي العراقي أثير بعض الجدل حول استراتيجية الحكومة بما يخص الوقاية من الانتحار (2023- 2030)

وخلال بحث قامت به “العالم الجديد”، حول بنود تلك الاستراتيجية، ظهر عدم دراية الكوادر المتقدمة في الوزارات المعنية بها، ما دفع نوابا ومنظمات في حقوق الانسان وناشطين، إلى مطالبة الحكومة بالكشف عن التفاصيل وإرسالها للجهات التنفيذية بغية الشروع بها أو الاطلاع عليها، وسط سعي نيابي لاستضافة الجهات الحكومية المسؤولة لمعرفة بنودها، في ظل اتهامات تطال الحكومة بكونها “إعلامية” فقط، ولا تختلف عن استراتيجيات أطلقها مجلس الوزراء سابقا.

استراتيجية الوقاية من الانتحار يكتنفها الغموض
وحول بنود تلك الاستراتيجية، يكشف مصدر حكومي مسؤول، أن “الكوادر المتقدمة في الوزارات المعنية، ومنها الصحة والداخلية والتخطيط، لا علم لديها بتفاصيل تلك الاستراتيجية، وماذا تتضمن”.

ويتابع المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، أن “الاستراتيجية لم يتم التحدث بها أيضا في مجالس الرأي داخل تلك الوزارات، علما أن هذا النوع من الاستراتيجيات تخضع لمناقشات كثيرة وتأخذ وقتا قبل إقرارها”.

من جهته، يقول النائب المستقل هادي السلامي، إن “عدم معرفة الجهات الحكومية ذات العلاقة بتفاصيل الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار في العراق، المقرة من قبل مجلس الوزراء أمر مستغرب، فكيف ستنفذ هذه الاستراتيجية ومؤسسات الدولة لا تعرف عنها أي شيء”.

وكان مجلس الوزراء، أقر في جلسته الاخيرة يوم الثلاثاء الماضي، الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار (2023– 2030)، المقدمة من المجلس الوزاري للتنمية البشرية.

ويضيف السلامي، أن “مجلس النواب، سيعمل على استضافة الجهات الحكومية المختصة وأمانة مجلس الوزراء، من أجل الاطلاع على تفاصيل الاستراتيجية، خصوصا وأن هناك ارتفاعا كبيرا وخطيرا في حالات الانتحار بمختلف المحافظات، وهذا الأمر أصبح شبه ظاهرة تهدد المجتمع العراقي”.

البرلمان مع أي خطوة تحد من الانتحار
ويؤكد أن “مجلس النواب، سيكون داعما بالتأكيد، لكل الخطوات الحكومية التي تهدف إلى الحد من ظاهرة الانتحار، وفق صلاحياتها الدستورية، خصوصاً وأن غالبية حالات الانتحار سببها الوضع المادي لبعض العوائل، وهذا الأمر يحتاج جهد حكومي لتوفير فرص عمل للشباب والعاطلين عن العمل، من أجل بث روح الأمل بينهم”.

الجدير ذكره أن الحكومة الحالية، سبق وأن أطلقت العديد من الاستراتيجيات، كانت آخرها الاستراتيجية الخاصة بالحد من التلوث، والتي أطلقها في حزيران يونيو الماضي، وقبلها الاستراتيجية الوطنية للمرأة العراقية، في آذار مارس الماضي، واللتان تستمران إلى عام 2030، دون الكشف عن بنود هاتين الاستراتيجيتين أو معرفة آليات تنفيذها.

يذكر أن وزارة الداخلية، أعلنت العام الماضي، إحصائية بحالات الانتحار، بدءا من عام 2015 إلى 2022 حيث بلغت عدد الحالات في 2015 عدا إقليم كردستان 376 حالة، وفي 2016 بلغت 343 حالة انتحار، وفي 2017 بلغت 449 حالة، وفي 2018 بلغت 519 حالة، وفي 2019 بلغت 588 حالة، وفي 2020 بلغت 644 حالة، وفي 2021 بلغت 863 حالة، وفي 2022 بلغت 1073 حالة.

وتعود الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار في العراق، إلى اجتماع للمجلس الوزاري للتنمية، في 6 حزيران يونيو الماضي، ناقش خلاله الظاهرة، دون الإعلان عن أي تفاصيل تذكر.

الجدير ذكره أن المجلس الوزاري للتنمية البشرية، تأسس في عهد الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، ويتكون من عضوية عدد من الوزارات وبرئاسة وزارة الصحة، وقدم العديد من مشاريع القوانين والاستراتيجيات لمجلس الوزراء، وأغلبها تم التصويت عليها.

ارتفاع نسب الظاهرة
من جهته، يبين عضو مجلس مفوضية حقوق الانسان السابق، ورئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان فاضل الغراوي، أن “ظاهرة الانتحار من الظواهر الخطيرة، وخلال الفترة الأخيرة ارتفعت بشكل كبير وخطير، وخصوصاً تنوع صور الانتحار من خلال الحرق والغرق وعن طريق السموم وكذلك الأسلحة النارية والشنق، ونسب الانتحار بدأت ترتفع منذ عام 2015”.

ويتابع الغراوي، أن “موضوع الانتحار يحتاج إلى معالجات جادة ويحتاج إلى تكامل للأدوار من قبل كافة مؤسسات الدولة والفواعل الاجتماعية، وكذلك أن يكون للمؤسسة الدينية تدخل بهذا الملف لما تمتلكه من تأثير في المجتمع”.

مبينا أن “طرح استراتيجية للوقاية من الانتحار أمر مهم، وهذا يؤكد أن الحكومة أدركت أن هذه الظاهرة تحتاج إلى بناء منظومة للتعامل معها”.

ويشدد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، على ضرورة “إطلاع كافة مؤسسات الدولة على بنود تلك الاستراتيجية المقرة من قبل مجلس الوزراء، حتى تعرف ما هي الأدوار التي تقوم بها، ويكون هناك تكامل وتنسيق للوصول إلى الأهداف المطلوبة منها”.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني واحد من كل أربعة عراقيين من هشاشة نفسية في بلد يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، في مقابل 209 أشخاص في فرنسا مثلا.

مشيرة إلى أن إنفاق العراق على الصحة النفسية لا يتجاوز نسبة اثنين في المئة من ميزانيته للصحة، وذلك رغم حقيقة أنه في مقابل كل دولار أميركي يستثمر في تعزيز علاج الاضطرابات الشائعة مثل الاكتئاب والقلق، يتحقق عائد قدره خمسة دولارات أميركية في مجال تحسين الصحة والإنتاجية.

ويتم الإعلان من قبل القوات الأمنية ومفارز الشرطة المجتمعية عن حالات إنقاذ وثني عن الانتحار في مختلف المحافظات، إلا أن متابعة هذه الحالات تبقى مجهولة.

الوضع المعيشي الضاغط
إلى ذلك، يبين الناشط المدني مصطفى الطائي، أن “معظم ما يقرره مجلس الوزراء، هو إعلامي ولم نر أي شيء ملموس وحقيقي على أرض الواقع، خصوصاً فيما يتعلق بإطلاق الاستراتيجيات، وآخرها استراتيجية الوقاية من الانتحار”.

ويضيف الطائي، أن “ارتفاع نسبة الانتحار في العراق، تتحملها الحكومة بالدرجة الأساس والطبقة السياسية، فالوضع المعيشي لغالبية الشباب والعوائل، والفساد وفشل إدارة الدولة، باتت أسبابا رئيسة لدفع الكثير إلى الانتحار، كونها عوامل تؤدي لارتفاع نسبة الفقر والبطالة”.

ويشير إلى أن “العراق بحاجة حقيقية إلى استراتيجية للوقاية من الانتحار، شريطة أن تكون حقيقية وتطبق على أرض الواقع، وتتضمن حلولا سريعة، من قبل المؤسسات الحكومية المختلفة”.

وكانت منظمة Sapien Labs، أعدت تقريرا للصحة العقلية لعام 2022، وهو ثالث تقرير سنوي تصدره المنظمة بهذا الشأن، ونشرت نتائجه في صحيفة “تايمز نيوز” الأمريكية، وفيه حلت دول عربية منها العراق ومصر واليمن وتونس والجزائر والأردن في المراتب الأخيرة.

المصدر: العالم الجديد


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/10/02



كتابة تعليق لموضوع : الوقاية من الانتحار.. جدل حول استراتيجية الحكومة حقيقة أم خيال؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net