الهجرة العكسية للهروب من (الجندرية)
هدى الحسيني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هدى الحسيني

في كل عام مع حلول شهر محرم الحرام تُرفع رايات العز، والفخر على أسطحِ المنازل، معلنةً بدء شهر العزاء، شهر الأحزان، شهر الدمعة الساكبة، شهر المصيبة الراتبة فترتفع قبلها القلوب مناديةً حي على العزاء.
تلك الرايات التي كانت شاهدة على الموسم العاشورائي حين ارتفعت فوق أسطح المنازل وعلى المواكب.. في الشوارع والأزقة وبأيدي المشاية.. غيرت ألوانها الشمس.. وأبلت خيوطها الرياح،
وأنت تنظر لها بحزنٍ عميق هناك في الجانبِ الآخر من العالم، حيث تعيش أم سارة العراقية المغتربة في فنلندا .. تخيل نفسك مكانها، وهي تنظرُ إلى أعلام الشذوذ والمثليين ودعاة نظرية (الجندر)، فوق كلِّ شقةٍ في الحي الذي تسكنهُ، وهي تستمعُ الى سؤال إبنتها ذات التسعة أعوامٍ: (ماما شنو هاي الأعلام الملونة أريد واحد منها).. تُرى ماهو شعوركَ حينها؟
شتان بين أعلام غيرت الوانها الشمس، وأحترق معها أصحابها حزناً، وألماً لمقتل ذبيح كربلاء الغريب العطشان سيد الشهداء الحسين بن علي (عليهما السلام) وبين أعلام تدعو للموبقات وإلى ماحرمهُ الله سبحانه وتعالى وهي تحاول تغيير الفطرة السليمة التي فطر اللهُ الناس عليها.
وسط هذا المجتمع الذي لايأبه لأي قيمٍ، ولا أخلاق ولا دين ،تحارِب العوائل المسلمة المغتربة هناك؛ لتحافظ على أبنائها من الإنحرافِ، والإنجرافِ نحو مايسمى بـ (الجندر) فهم أصبحوا بين نارين، بين نار العيش بمجتمع يوفر جميع مستلزمات الراحة والرفاهية، وبين نار الخوف من سرقة أولادهم من بين أحضانهم.
لقد كانت دول الغرب، الحلم المستحيل، الذي شقى الكثير من أجل تحقيقه، لكنه أصبح الآن يرهق، ويقض مضاجع الكثير منهم، فبعد أن كانت أوربا تمثل أرض الأحلام لكلِّ من لجأَ إليها هرباً من بطش الأنظمة الديكتاتورية، ومن الحروب التي أرهقتهم، وأخذتْ منهم الكثير، اصبحوا الآن يخوضون حرباً من نوعٍ آخر، هي حرب الحفاظ على الهويةِ التي تتعرض للتهديد المستمر، فهم مضطرون؛ لإتخاذِ موقف دفاعي أمام التحديات التي يتعرضون لها في تربية ابنائهم؛ بسبب الفوارق الدينية، والثقافية والأخلاقية بين مجتمعهم الأصلي وبين بلدان المهجر، وقوانينهم الصعبة، والتي تتدخل بشكلٍ مباشر في تربية الأولاد، وتصل أحياناً إلى سحبهم منهم، في حال ثبت أن هناك عنف أو ضغط من قبل أهلهم، الذين يحاولون بشتى الطرق أن يزرعوا داخلهم تعاليم الدين الأسلامي والقيم والعادات التي تربوا عليها، لكن الطفل نتاج مايتعلمه من تنشئة نفسية، واجتماعية وللأسف تنشئتهم تتأثر بالمحيطِ الذي يعيشونَ فيه؛ اذ تستمر أوقات الدوام في المدارسِ لمدة طويلة، فتبدأ من الساعةِ الثامنةِ صباحاً، وتنتهي في الساعةِ السادسةِ مساءً، وهنا يقضي الطفلُ، وقتاً أطول مما يقضيه مع والديه المنهكين بدورهم في عملهم؛ مما ينتج فجوة نفسية، وتربوية وأجتماعية بين الطفل وأبويه تكبر يوماً بعد آخر، وغالباً ماينتهي الأمر بالاصطدامِ الثقافي، وهنا تبدأ المعاناة، يحاول الأهل تصحيح مسار أبنائهم؛ فيعيش الطفل إزدواجية بين واقعين مختلفين، بين المجتمع الذي يعيش فيه حيث حرية الرأي واتخاذ القرار، وبين ثقافة ودين أهلهم المرتبطين بجذور قوية بمجتمعاتهم الاصلية، فينتبه المعلم لسلوك الطفل الغريب، وتقوم المدرسة حينها بتقديم بلاغ لدائرة الشؤون الاجتماعية، فتدخل العائلة حينها في نفقٍ مظلم خوفاً من سحب الأولاد منهم، وهذا القرار غالباً ماتتخذه دائرة الشؤون الاجتماعية، في مثل هذه الحالات والذي يعتبره الأباء تدخلاً سافراً في تربيةِ الأبناء، وأذا وصل الأمر لهذا الحد سيكونُ الضياع مصيرهم؛ لأنهم سيكونون تحت سيطرة جهات بعيدة كلُّ البعد عن دينهم، وعادات وتقاليد مجتمعهم الأسلامي، فتزرع داخلهم قيم وأفكار منحرفة مثل: الجندر والشذوذ الجنسي والتحول، بالرغم من أن الكثير من الغربيين يرفضون هذه الأفكار وينددون بها فقبل مدة شاهدتُ مقطعاً فيديوياً لأبٍ غاضب وهو يقول:
“أنا غاضب جداً الآن، أنهيت مكالمة للتو مع زوجتي التي أخذت ابني ذو الـ ٩ أعوام وابني الثاني ذو الـ ٧ أعوام للطبيبة اليوم للقيام ببعض الفحوصات من أجل المدرسة وما إلى ذلك، ابني ذو الـ ٩ أعوام دخل أولاً، وأول سؤال سألته الطبيبة هو ما إذا كان يُعرّف نفسه كـ صبي أو فتاة، ثنائي أو غير ثنائي الجنس؟! ابني..! لم يسبق له أن سمع بهذا الهراء من قبل، أنتِ طبيبته منذ أن كان رضيعاً، هو بكلّ وضوح “صبي”، إذاً ما الأفكار التي تحاولين زرعها برأسه؟! الأمر الجيد هو أنّ زوجتي أخذتهما وليس أنا! كلّ الدعم لزوجتي لأنّها عارضت ذلك، لو لم تفعل ذلك كانوا سيسألون ابني ذو الـ ٧ أعوام نفس السؤال اللعين، هذا الأمر سخيف، والذين يرون أنّه ليس هناك خطب بذلك وأنّني مجرّد شخص يكره المتحولين: أنتم مرضى”.
اذا كان المجتمع الغربي المتحرر، والبعيد عن الدين، يرفض هذا المبدأ، كيف بالعربِ المسلمين الذين يعتزون بهويتهم، وثقافتهم، وقيمهم الأصيلة؟
بسبب هذه المعاناة، حدثت بالفترة الأخيرة، ردة فعلٍ قوية جداً؛ لرفضِ هذا الأنحراف، وقرر الكثير من المغتربين الهجرة العكسية إلى بلدانهم الأم؛ هروباً من هذا العالم البغيض ،الذي يحاول سرقة فلذات اكبادهم منهم، فلم يكن أمامهم خيار إلا التضحية وترك حياة الرفاهية، والعودة إلى أوطانهم، حتى لو واجهوا صعوبة في حياتهم، لكنهم بالتأكيد سيحافظون على ابنائهم، وهويتهم قبل فواتِ الأوان، مثل ماحصل مع غيرهم.
وفي النهاية سيجدون النور وهويتهم الحقيقية، عندما يشاركون في رفعِ رايات الفخر، والعز في عاشوراء، بعد ذلك الظلام الحالك، عندما كانوا يشاهدون أعلام الشواذ والمنحرفين، هذا هو الحل الوحيد أمام (أُم سارة) لتبعد ابنتها عن تلكَ الأعلام القبيحة التي تشوه كل ماهو جميل في حياتها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat