صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

من مذكرات مدرس تأريخ
علي حسين الخباز

  تعلمت من الأستاذ عبد الرزاق الحكيم  قضية مهمة جداً وصرت أعتز بها رغم كل هذه الظروف الصعبة التي مرت بها كربلاء  والتقلبات السريعة ، والمتغيرات من حال لحال ، وعدم الإستقرار  ؛ مدينة عاشت الجدب والعطش والاحتلال ومازال هذا الماضي عند الكربلائيين جميل  .
 صرت أعشق  تلك المحاورات  وانتظرها بشغف كبير ،  وانتقي لها ما يمكن أن ينفعني وخاصة الأحداث التي لم يسلط التاريخ عليها الضوء بما يكفي والكثير من تلك  التواريخ المزدهية  كادت تتعرض الى النسيان 
أستاذ أبو ثامر نقرأ عن غارة تسمى غارة آل مهنا  ، أبتسم الرجل وفهم القصد وقال إنها حكاية طويلة .
قلت أستاذ عبد الرزاق ما تاريخ تلك الغارة  ؟ 
أجابني : حدثت عام 1604م . 
  هل هذا يعني  في عهد السلطة العثمانية .
 أجابني : في هذه الفترة ضعفت السلطة العثمانية  بشكل كبير  وأهملت كربلاء ، وأمن كربلاء  ، فاصبحت كربلاء تحت سيطرة الأمير ناصر بن مهنا  
 سألته أليس هذا الأمير هو أمير الفلوجة ؟
أجابني : هو الرجل الذي كان يطلق على نفسه  لقب الأمير ؛ هو شيخ  قبيلة آل مهنا ؛ وهي من عشائر  جشعم العربية ،  كان يسيطر على  المنطقة الممتدة  من الفلوجة حتى جنوب العراق ، وقام  المهنا في سنة  1604م بغزو  مدينة  كربلاء وتمكن من الفتك  بالحامية  العثمانية  فيها ،وأصبحت مركز لمديرية، وبسط زعامته عليها إلى سنة 1623 م حيث سيطر على العراق  عباس الصفوي . 
كنت  أصغي إليه وأنا أغبطه لحفظه تاريخ بلاده بحلوه ومره ، القضية لا تعني مهنية الحفظ كونه مدرس تاريخ  بل تشمل الوعي الوطني وعملية إدراك ما مر به الوطن من ويلات ودمار . صرت  أحاول أن أعرقل السرد كي  أستوعب ، ولأحفظ  أنا أيضاً  ما دار من أحداث . أريد أن أعرف  حياة كربلاء  في أمارة آل مهنا  .
قال  : كتب البحاثة  يعقوب  سركيس  في مجلة أسمها لغة العرب بأن قبيلة  آل مهنا  غزت  كربلاء بزعامة أميرها ( ناصر بن مهنا )  شيخ مشايخ  البو ريش من عشائر جشعم  العربية وبسطت زعامتها على كربلاء .
قلت أستاذ مهلاً الذي أعرفه أن ناصر بن مهنا كان تابعاً للاتراك  الذين كانوا يغتصبون البلاد .
قال الأستاذ عبد الرزاق هذا الكلام  يمثل الواقع السياسي المعلن لكن الواقع  الذي نقله الرحالة المستشرق  البرتغالي( بيدرو تكسيرا) لقد شاهد أصحاب الملك المهنا ورجاله قتلوا مجموعة من الجنود الأتراك وسلبوهم  وباعوا خيولهم وملابسهم و أسلحتهم  
قلت مهلاً أستاذ ما القضية  كيف هو  رجال منهم ويسبي  ويقتل الجنود الاتراك ؟ كانت من طبيعة الأستاذ عبد الرزاق أن يتوقف عن سرد الحكاية بين حين وآخر ليرَ أثر المعلومة على وجهي ، ولكوني فعلاً أنا لم أسمع عن الكثير من تلك  المعلومات ، أو لم أقرأها رغم إنها موجودة على ما يبدو ، ربما أهل الإختصاص  يركزون عليها  ، المهم أطلب منه أحياناً أن  يشرح الأمر ، القضية  تحتاج الى فطنة  ، فقال لي أن( تكسيرا) وقف أمام هذه التناقضات وقال إن الفوضى العارمة التي سادت كربلاء والعراق وانشغال الحكومة العراقية بالحرب مع ايران .
أما سكان كربلاء في عصر المهنا ، أو لنقل في بدايات غزوه ، كانت خانات واربعة آلاف دار وسكانها خليط بين العرب الإيرانيين  والأتراك  ، وكانت مهمة الأتراك الإشراف  على المناطق  المحيطة بكربلاء  لكنهم  ابتعدوا الى بغداد  بسب الحرب مع الإيرانيين . الإيرانيون  أيضاً  غادروا  كربلاء  بسبب فقدانهم  الأمان وكان  يسمى الجيش التابع  للحكومة العثمانية  ( السكمانية ) ؛ والسكمانيون هم من  يتجاوز على الناس . أشعر وكأني  أريد أن أصرخ  ، وانا أحث أستاذي عبد الرزاق الحكيم  ، أن يحدثني  أكثر عن تاريخ مدينتي التي نجهل الكثير من تواريخها .
قال : هناك رحالة آخر مستشرق إنكليزي  إسمه ( ستيفن  لونكريك) ، كتب عن كربلاء  بنفس  هذا التأريخ  .
 إن قوات البادية  التابعة لناصر مهنا  تأخذ من الزائرين الأتاوة ، وكان ليرضي الأتراك يرسل الهدايا الى السلطان  ، حتى وصل الأمر أن الحاميات  التركية  الصغيرة  ـ  التي تقيم في العتبات المقدسة - لم يكن لهم وجود إلا بسماح من الشيخ ناصر المهنا ، وكانت عاقبة هذه الحامية وخيمة  .
 قلت :أستاذ رزاق يبدو أن الشيخ ناصر المهنا وأتباعه كانوا يسعون لإدامة وجودهم  ، ولاشك  إن حسبوا  حساباتهم  لذلك  
أجابني الأستاذ عبد الرزاق  قالاً : التنافس  الموجود بين الصفويين  والعثمانين  في السيطرة  على العراق   كانت  لاتمنح  المتأمل  توقعاً او تخميناً ، سليمان القانوني  بذل ما بوسعه  لأستمالة  العتبات المقدسة  إليه وقرر أن يقدم  لكربلاء أكثر  مما قدمه لها إسماعيل الصفوي  وطهماسب 
  كنت طوال  هذه الجلسات  أحدث نفسي  ما الذي  أريده  ، أنا هل أريد أن أعيد صياغة  التأريخ  ، أم  الذي  اريده  هو أن  أفهم  ما  القضية  ؟ صحيح هل هناك  تواجد  للمتنافسين  بنفس التوريخ ؟ أبتسم لي  الأستاذ
عبد الرزاق الحكيم ، هناك موجات من غزو وتواجد مرعب وأحياناً  نجد أكثر من جهة  استعمارية  تواجدت  لغزو العراق  . إن الشاه طهماسب  سيطر عام 1573م إستطاع أن يسيطر على بغداد من جديد  ، وعقد مع  الدولة العثمانية  معاهدة صلح  ، قام من  خلالها بزيارة  كربلاء والمراقد  المقدسة  فيها   وامر  بالإهتمام  بمدينة  كربلاء .
 الذي قام  بإزاحة  عهد ناصر  المهنة  هو الشاه عباس  الكبير ، المهم إن زعامة  المهنا  إنتهت أثر  غزو  العراق من قبل  الشاه عباس الكبير  الصفوي  ، وبعد وفاة  الشاه عباس .
سألته أستاذ في أي سنة  كانت وفاته  ؟ أجابني عام 1629م  خلفه  الشاه صفي الدين الأول  حفيد  طهماسب  . إستطاع  مراد  الرابع  حصار بغداد وهنا بدأت  صفحة  دموية كبرى ،شعرت أن الحوار لابد أن يؤجل الى يوم آخر لأن الموضوع أتعب نفسية الأستاذ لذلك ترخصت  الخروج من محله وأنا أعيش مرجلاً من الأحداث  الملتهبة .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/07/16



كتابة تعليق لموضوع : من مذكرات مدرس تأريخ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net