كلمات مختارة من القرآن الكريم (باخع)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

قال الله تعالى عن كلمة باخع "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا" ﴿الكهف 6﴾ باخع اسم، باخع: مهلك، بلغة قريش، والبخع: قتل النفس، بَاخِعٌ نَّفْسَكَ: قاتل نفسك أو مهلكها، فلعلك باخع: مهلك، فلعلك أيها الرسول مُهْلِك نفسك غمًّا وحزنًا على أثر تولِّي قومك وإعراضهم عنك، إن لم يصدِّقوا بهذا القرآن ويعملوا به، و "لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" ﴿الشعراء 3﴾ بَاخِعٌ نَفْسَكَ: مهلك نفسك حرصا وحزنا عليهم، باخعٌ نفسك: قاتلها غما من أجل، لعلك أيها الرسول من شدة حرصك على هدايتهم مُهْلِك نفسك، لأنهم لم يصدِّقوا بك ولم يعملوا بهديك، فلا تفعل ذلك.
ان الآية الكريمة "لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" ﴿الشعراء 3﴾ ترشد الانسان أن يوازن بين مشاعره الانسانية بأن لا يحزن ويؤذي نفسه لأمر خارج عن ارادته. وفي حديث عُقْبة بن عامر: أَن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: أَتاكُم أَهلُ اليَمنِ هم أَرَقُّ قُلوباً وأَلْيَنُ أَفئدة وأَبْخَعُ طاعةً أَي أَنْصَحُ وأَبْلَغُ في الطاعةِ من غيرهم كأَنه بالَغُوا في بَخْعِ أَنفسهم أَي قَهرِها وإِذْلالِها بالطاعةِ
جاء في معاني القرآن الكريم: بخع البخع: قتل النفس غما، قال تعالى: "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ" (الكهف 6) حث على ترك التأسف، نحو: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" (فاطر 8). وجاء في المعاجم: باخِع: (اسم)، باخِع: فاعل من بَخَعَ، باخع: (مصطلحات) قاتل نفسه حزنا. (فقهية)، بَخَعَ: (فعل) بخَعَ يَبخَع، بَخْعًا وبخُوعًا، فهو باخِع، والمفعول مَبْخوع، بَخَعَ له: تذلَّل له وأطاع وأَقَرَّ، بَخَعَ الذبيحةَ وبها: بَلغ بذبحها القفا، بَخَعَ نَفسَه: قتلها غيظاً أو غَمًّا، بَخَعَ له نُصْحَهُ أخلصه وبالغ فيه. وعن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (بخع) "بَاخِعٌ نَّفْسَكَ" (الاسراء 6) (الشعراء 3) أي قاتل نفسك على آثارهم.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً" (الكهف 6) التّفسير: العالم ساحة اختبار: الآيات السابقة كانت تتحدّث عن الرسالة و قيادة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لذا فإنّ أوّل آية نبحثها الآن، تشير إلى أحد أهم شروط القيادة، ألا و هي الإشفاق على الأمّة فتقول: "فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً" (الكهف 6). و هنا يجب الانتباه إلى بعض الملاحظات: أوّلا: "باخع" من "بخع" على وزن، "نخل" و هي بمعنى إهلاك النفس من شدّة الحزن و الغم. ثانيا: كلمة "أسفا" و التي تبيّن شدّة الحزن و الغم، هي تأكيد على هذا الموضوع. ثالثا: "آثار" جمع "أثر" و هي في الأصل تعني محل موضع القدم، إلّا أنّ أي علامة تدل على شيء معين تسمّى أثرا. إنّ الاستفادة من هذا التعبير في الآيات أعلاه تشير إلى ملاحظة لطيفة، و هي أنّ الإنسان قد يغادر في بعض الأحيان مكانا ما، و لكنّ آثاره ستبقى بعده، و تزول إذا طال زمن المغادرة. فالآية تريد أن تقول: أنّك على قدر من الحزن و الغم و لعدم إيمانهم بحيث تريد أن تهلك نفسك من شدّة الحزن قبل أن تمحى آثارهم. و يحتمل أن يكون الغرض من الآثار أعمالهم و تصرفاتهم. و الآية التالية تسرّي عن قلب النّبي و تثبته فتقول: "لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (الشعراء 3). كلمة "باخع" مشتقّة من (البخع) (على وزن الدّمع) و معناه إهلاك النفس من شدة الغمّ. و هذا التعبير يدلّ على مدى تحرّق قلب النّبي و شفقته لأمته، و أداء رسالته، و ما كان عليه من إصرار في خطته، و تجلّد في مواجهة شدته و محنته، لأنّه يرى القلوب المتعطشة الظامئة في جوار النبع القرآني الزلال، و لكنّها لا تزال على ظمئها و لا ترتوي من معينه العذب، فكان يتحرق لذلك كان قلقا و باخعا نفسه أن يرى الإنسان الذي منحه اللّه العقل و اللبّ يسير في الطريق المظالم، بالرغم من كل هذا الضياء، و يهوي في الوادي السحيق ليكون من الهالكين أجل، كان جميع الأنبياء على هذه الشاكلة من الإشفاق على أممهم و لا سيما الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي ورد في شأنه هذا التعبير القرآني أكثر من مرّة. قال بعض المفسّرين: إن سبب نزول الآية الأنفة الذكر هو أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يدعو أهل مكّة إلى توحيد اللّه باستمرار، إلّا أنّهم لم يؤمنوا. فأسف النّبي و تأثر تأثرا بالغا حتى بدت أماراته في وجهه، فنزلت الآية آنفة الذكر لتسرّي عن قلب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و لبيان أنّ اللّه على كل شيء قدير حتى أنّه يستطيع أن يسوقهم إلى الإيمان به سوقا و يضطرّهم إلى ذلك، فإنّ الآية التالية تقول: "إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ" (الشعراء 4). و هي إشارة إلى أن اللّه قادر على إنزال معجزة مذهلة من السماء أو أن يرسل عليهم عذابا شديدا فيذعنوا له، يطأطئوا برؤوسهم خضوعا له، يستسلموا لأمره و حكمه، إلّا أن الإيمان بإكراه لا قيمة له. فالمهم أن يخضعوا للحق عن إرادة و وعي و إدراك و تفكر.
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: دراسة قصة موسى عليه السلام: الآيات التي جاءت في سورة الشعراء والتي تبدأ القصة فيه بقوله تعالى: "وإذ نادى ربك موسى ان ائت القوم الظالمين * قوم فرعون الا يتقون" (الشعراء 10-11) والتي تختم بقوله تعالى: "ان في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين * وان ربك لهو العزيز الرحيم" (الشعراء 67-68). ويلاحظ في هذا المقطع القرآني من القصة أمور منها أن المقطع من القصة جاء بعد عتاب من الله سبحانه لرسوله محمد صلى الله عليه وآله في اجهاده لنفسه وارهاقها حتى يكاد يقتلها بسبب ان قومه لم يكونوا مؤمنين: "لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين" (الشعراء 3). وبعد هذا العتاب يذكر القرآن الكريم قانونا اجتماعيا يتحكم في التأريخ وهو أن كل ذكر جديد من الله سبحانه يحدث ردة فعل كهذه لدى الكفار حيث يقاومونه ويعرضون عنه، ولم يكن ذلك بسبب عجز الله سبحانه وعدم قدرته على اخضاعهم لرسالته وارغامهم عليها: (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين * وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين" (الشعراء 4-5).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat