"وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً" ما المقصود بالازواج الثلاثة في سورة الواقعة (ح 4)؟
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

وردت أزواج الحيوانات في القرآن الكريم، ومن الانعام الضأن والمعز قال الله تعالى "ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" (الانعام 143) هذه الأنعام التي رزقها الله عباده من الإبل والبقر والغنم ثمانية أصناف: أربعة منها من الغنم، وهي الضأن ذكورًا وإناثًا، والمعز ذكورًا وإناثًا. وهذه حلال غير محرمة. قال الله جل جلاله "فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" ﴿الشورى 11﴾ فاطر السماوات والارض اي موجدها ومبدعها. وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ: السميع لأقوال عباده لا يخفى عليه شيء، لله سبحانه وتعالى هو خالق السماوات والأرض ومبدعهما بقدرته ومشيئته وحكمته، جعل لكم من أنفسكم أزواجًا؛ لتسكنوا إليها، وجعل لكم من الأنعام أزواجًا ذكورًا وإناثًا، يكثركم بسببه بالتوالد، ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ لأن أسماءه كلَّها حسنى، وصفاتِه صفات كمال وعظمة، وأفعالَه تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، وهو السميع البصير، لا يخفى عليه مِن أعمال خلقه وأقوالهم شيء، وسيجازيهم على ذلك. وقوله تعالى "خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ" ﴿الزمر 6﴾ يخلقكم في بطون أمهاتكم طورًا بعد طور من الخلق في ظلمات البطن، والرحم، والمَشِيمَة، ذلكم الله الذي خلق هذه الأشياء.
قال الله تعالى "وَالَّذِى خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعامِ مَا تَرْكَبُوْنَ" (الزخرف 12) جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قيل: المراد بالأزواج أصناف الموجودات من ذكر وأنثى وأبيض وأسود وغيرها، وقيل: المراد الزوج من كل شيء فكل ما سوى الله كالفوق وتحت واليمين واليسار والذكر والأنثى زوج.
تكملة للحلقة السابقة جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: و إذا فسّرت "السَّابِقُونَ" (الواقعة 10) كما في بعض الرّوايات الإسلامية بأنّها تعني الأشخاص الأربعة و هم هابيل، و مؤمن آل فرعون، و حبيب النجّار الذين تميّز كلّ منهم بأسبقيته في قومه، و كذلك أمير المؤمنين عليه السّلام الذي هو أوّل من دخل في الإسلام من الرجال، فإنّ هذا التّفسير في الحقيقة هو بيان للمصاديق الواضحة، و ليس تحديدا لمفهوم الآية. جاء في حديث آخر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: (أتدرون من السابقون إلى ظلّ اللّه في يوم القيامة؟ فقال أصحابه: اللّه و رسوله أعلم، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: (الذين إذا أعطوا الحقّ قبلوه، و إذا سألوه بذلوه، و حكموا للناس كحكمهم لأنفسهم). و جاء في بعض الرّوايات أيضا أنّ المقصود ب "السَّابِقُونَ" همالأنبياء المرسلون و غير المرسلين. و نقرأ في حديث لابن عبّاس أنّه قال: (سألت رسول اللّه حول هذه الآية فقال: «هكذا أخبرني جبرائيل، ذلك علي و شيعته هم السابقون إلى الجنّة، المقرّبون من اللّه لكرامته لهم). و كما تقدّم إنّه بيان للمصاديق الواضحة من المفهوم الذي ذكر أعلاه، الذي يشمل جميع السابقين في كلّ الأمم و الشعوب. ثمّ يوضّح في جملة قصيرة المقام العالي للمقرّبين حيث يقول سبحانه: "فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ" (الواقعة 12) التعبير ب "جَنَّاتِ النَّعِيمِ" يشمل أنواع النعم المادية و المعنوية، و يمكن اعتبار هذا التعبير إشارة إلى أنّ بساتين الجنّة هي وحدها مركز النعمة و الراحة في مقابل بساتين الدنيا التي تحتاج إلى الجهد و التعب، كما أنّ حالة المقربين في الدنيا تختلف عن حالة المقرّبين في الآخرة، حيث أنّ مقامهم العالي في الدنيا كان توأما مع المسؤوليات و الطاعات في حين أنّ مقامهم في الآخرة سبب للنعمة فقط. و من البديهي أنّ المقصود من القرب ليس القرب المكاني لأنّ اللّه ليس له مكان، و هو أقرب إلينا من أنفسنا، و المقصود هنا هو القرب المقامي. و يشير في الآية اللاحقة إلى الحالة العددية في الأمم السابقة و في هذه الامّة أيضا حيث يقول سبحانه: "ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ" (الواقعة 13) أي أنّهم جماعة كثيرة في الأمم السالفة و الأقوام الاولى. "وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ" (الواقعة 14) "ثُلَّةٌ" كما يقول الراغب في المفردات تعني في الأصل قطعة مجتمعة من الصوف، ثمّ تحوّلت إلى معنى مجموعة من الأشخاص. و أخذها البعض أيضا من ثلّ عرشه بمعنى سقط و انهار، يقال سقط عرشه و انقلعت حكومته) و اعتبرها البعض قطعة، و ذلك بقرينة المقابلة ب "قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ" يكون المعنى القطعة العظيمة. و طبقا لهاتين الآيتين فإنّ قسما كبيرا من المقرّبين هم من الأمم السابقة، و قسم قليل منهم فقط هم من امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و يثار سؤال هنا و هو: كيف يتناسب العدد القليل من مقرّبي امّة محمّد مع الأهميّة البالغة لهذه الامّة التي وصفها القرآن الكريم بأنّها من أفضل الأمم؟ قال "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" (ال عمران 110). و للجواب على هذا السؤال يجدر الالتفات إلى نقطتين: الاولى: إنّ المقصود من المقرّبين هم السابقون في الإيمان، و من المسلّم أنّ السابقين لقبول الإسلام في المصدر الأوّل منه كانوا قلّة، أوّلهم من الرجال الإمام على عليه السّلام، و من النساء خديجة رضوان الله عليها، في الوقت الذي نعلم أنّ كثرة الأنبياء السابقين و تعدّد أممهم، و وجود السابقين في كلّ امّة يؤدّي إلى زيادتهم من الناحية العددية. و النقطة الثانية: أنّ الكثرة العددية ليست دليلا على الكثرة النوعية، حيث يمكن أن يكون عدد السابقين في هذه الامّة قليلا، إلّا أنّ مقامهم أفضل كثيرا، كما هو المعروف بين الأنبياء أنفسهم، إذ يختلفون باختلاف درجاتهم: "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ" (البقرة 253) و ممّا يلزم ذكره أنّ قسما من المؤمنين لم يندرجوا في زمرة السابقين في الإيمان، مع توفّر الصفات و الخصوصيات فيهم و التي تجعلهم بنفس درجة السابقين من حيث الأجر و الجزاء، لذلك فقد نقل في بعض الرّوايات. عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال: (نحن السابقون السابقون و نحن الآخرون). و جاء في رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه خاطب مجموعة من أصحابه فقال لهم: (أنتم السابقون الأوّلون و السابقون الآخرون، و السابقون في الدنيا إلى و لا يتنا، و في الآخرة إلى الجنّة). و من الجدير بالملاحظة أنّ بعض المفسّرين فسّر الأوّلين و الآخرين بالأوّلين في الامّة الإسلامية و الآخرين فيها و انسجاما مع هذا الرأي فإنّ جميع المقرّبين هم من الامّة الإسلامية. إلّا أنّ هذا التّفسير لا يتناسب مع ظاهر الآيات و الرّوايات التي وردت في ذيل هذه الآيات، حيث أنّها عرّفت أشخاصا من الأمم السابقة بالخصوص بعنوان أنّهم من السابقين الأوّلين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat