مع عدم التوصل الى تفكيك نهائي له، يشكل أطفال مخيم الهول ومقاتلو داعش المحتجزون في السجون بحسب وجهة نظر أمريكية مخاوف إضافية من عودة محتملة للتنظيم الإرهابي، وذلك رغم الضربات التي تلقاها التنظيم والتي شلت قدراته على تنفيذ عمليات واسعة النطاق.
وضاق الخناق على التنظيمات الإرهابية بعد العملية الأميركية التي قضت على زعيم تنظيم “داعش” البغدادي في 2019، والغارة الجوية التي قتلت زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري العام الماضي، لكن المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة حذر في تقرير له من مخاطر متواصلة للتنظيمات الإرهابية ومن ضمنها داعش.
إن هزيمة “داعش” إقليمياً، وتفكيك قدراته على السيطرة على مساحات كبيرة في العراق وسوريا لا تعنيان أنه لم يعد يشكل تهديداً، فالولايات المتحدة ما زالت تحذر من أن الأيديولوجيا التي تحرك التنظيم ما زالت “طليقة وغير مقيدة”، بحسب الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية.
الجنرال الأميركي قال في إحاطة له أواخر العام الماضي إن “داعش” ما زال قادراً على تنفيذ عمليات في المنطقة، ولديه الرغبة في الضرب خارجها.
وأوضح انه على رغم تدهور أوضاع التنظيم في العراق وسوريا، فإنه ما زال يشكل خطورة من خلال ثلاث فئات، الأولى، الجيل الحالي من القادة والمقاتلين الذين ما زالوا يخططون للعمليات الإرهابية وينشرون أيديولوجيتهم المتطرفة، والثانية المقاتلون المحتجزون الذين يصل عددهم قرابة 10 آلاف في سوريا، ونحو 10 آلاف في العراق.
أما الفئة الثالثة والمهددة لفرص إلحاق “الهزيمة الدائمة” بـ”داعش” بحسب تعبير الجنرال الأميركي هي الجيل القادم من معتنقي عقيدة التنظيم، أو أطفال مخيم الهول، وهم “عبارة عن أكثر من 25 ألف طفل في مخيم الهول للاجئين شرق سوريا معرضون لخطر التلقين العقائدي”.
ويقول كوريلا، إن أطفال مخيم الهول هدف رئيس لتطرف “داعش”، مشيراً إلى أن الظروف المروعة في المخيم تجعلهم أكثر عرضة للفكر المتطرف، ولذلك فإن أحد الأهداف قصيرة المدى للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد “داعش” تقليل تأثير التنظيم الإرهابي في سكان مخيم الهول.
هذه التأملات حول أطفال مخيم الهول ومقاتلي داعش المحتجزين في السجون ومخاطر عودة التنظيم التي شاركها قائد القيادة المركزية الأميركية، تقاطعت مع تقرير “مشهد التهديد الإرهابي لعام 2023” الذي قدمته كريستين أبي زيد مديرة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، ونشره “معهد واشنطن” المتخصص في دراسات الشرق الأوسط.
إذ يشدد التقييم على النهج الأميركي الذي يرى أن الحرب على الإرهاب ما زالت قائمة وملحة، وأن انخفض زخمها ومواردها لحساب أزمات دولية أخرى، وأنها يجب أن تنظر للأشكال المختلفة من التطرف، محلية كانت أو خارجية، وتراقب البؤر المعرضة لتفشي الأيديولوجيات المتشددة.
يرى مركز مكافحة الإرهاب أن التطرف يواصل تأجيج التهديدات ضد الغرب في رقعة متسعة من الأراضي تمتد من الساحل الأفريقي إلى جنوب شرقي آسيا، ويسهم هذا التطرف في تدهور الأوضاع الإنسانية في بعض المناطق مثل أفغانستان والصومال واليمن، حيث تعمل منظمات إرهابية كـ”داعش” و”القاعدة” على استغلال أوضاع الدول النامية، وعدم الاستقرار السياسي فيها، وضعف سلطة الدولة، لترسيخ أفكارها والتقرب من السكان المحليين.
وبحسب التقييم الأميركي لحال الإرهاب عالمياً، فإن التهديد الذي يشكله تنظيما “القاعدة” و”داعش” أصبح أقل حدة من أي وقت آخر منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، إلا أن هناك حاجة إلى الحذر، إذ ما زال هناك قلق من تهديدات إرهابية تقف وراءها “جهات فاعلة منفردة” تستقي إلهامها من المنظمات الإرهابية الأجنبية، والمتطرفين الأجانب ذوي الدوافع العنصرية.
وقالت أبي زيد في كلمتها الرسمية أمام ملتقى نظمه “معهد واشنطن”، “ما زلنا قلقين وحذرين في ما يتعلق بالتهديد المتأتي من الجهات الفاعلة المنفردة والجماعات الصغيرة التي تلهمها المنظمات الإرهابية الأجنبية، فمنذ عام 2001، تطور التهديد الناشئ عن هؤلاء الأفراد من تهديد تحدده الهجمات المعقدة والواسعة النطاق التي تديرها منظمة إرهابية أجنبية، إلى تهديد غالباً ما تحدده هجمات بسيطة تشن ذاتياً بإلهام من منظمة إرهابية أجنبية”.
وبحسب المسؤولة الأميركية، يمارس هؤلاء الأفراد العنف بشكل مستقل من دون توجيهات من جماعات محددة، فمنذ أحداث 11 سبتمبر، نفذ 37 هجوماً داخل الولايات المتحدة بإلهام من تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، مقارنة بثماني هجمات كانت على صلة مباشرة بهاتين الجماعتين.
وبالمثل، خلال الـ12 عاماً الماضية، نفذ أفراد يعتنقون فكرة تفوق العرق الأبيض 17 هجوماً متطرفاً بدوافع عنصرية وعرقية.
وخلصت أبي زيد إلى أن احتمال تعرض الشعب الأميركي اليوم لهجوم إرهابي يشنه مهاجم فردي أكبر من احتمال تعرضهم لهجوم تنفذه منظمة إرهابية ذات هيكلية منظمة، فعلى رغم تراجع رسائل التنظيمات الإرهابية الموجهة إلى الأفراد لتنفيذ الهجمات، فإنهم ما زالوا عرضة لمنشورات مجلة “إنسباير” التي يبثها تنظيم “القاعدة” باللغة الإنجليزية ورسائل تنظيم “داعش”.
وفي سياق متصل، حذر “المركز الوطني لمكافحة الإرهاب” من خطر متطرفي الداخل الذين لهم صلات إرهابية دولية وعابرة للحدود.
ويشير تحديداً إلى التهديد الذي يشكله المتطرفون ذوو الدوافع العنصرية والعرقية وما لهم من روابط كبيرة بالجهات الفاعلة العابرة للحدود التي تشجع مؤامراتها وأيديولوجيتها المعلنة أولئك الذين يتأثرون برسائلها على الحشد لممارسة العنف.
وبحسب التقييم، “يتسم هذا التهديد الأخير العابر للحدود بحد كبير من الانسيابية والتشتيت وغياب البنى الهرمية، إذ تتمحور أطر الأعمال المنفذة من قبل المسؤولين عنها حول مفهوم المقاومة من دون قيادة”.
وأضاف “غالباً ما تشمل العلاقات القائمة بين المتطرفين ذوي الدوافع العنصرية والعرقية في الولايات المتحدة من جهة، ونظرائهم الأجانب من جهة أخرى، مشاركة رسائل التطرف العنيف المزدوجة الاتجاه، والشكاوى المتبادلة، وبيانات المهاجمين الناجحين، والتشجيع على ممارسة الجهات المنفردة للعنف”.
ولفت المركز إلى أنه وعلى غرار التحديات الأخرى التي يطرحها الإرهاب، يمكن أن يعمل المتطرفون ذوو الدوافع العنصرية والعرقية في أي مكان بشكل عابر للحدود، من خلال استغلال وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الأخرى على الإنترنت، مشيراً إلى أنه وحتى مع قيام شركات التكنولوجيا بتحسين قدراتها على كشف المحتوى المرتبط بالتطرف والتصدي له عبر الإنترنت، فإن المتطرفين وداعميهم يتبكرون طرقاً جديدة لنشر رسالتهم.
ومع تنامي “التهديد العابر للحدود”، يؤكد تقييم “المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب” أهمية الجهود الرامية إلى منع تسلل الإرهابيين عن طريق البر أو البحر أو الجو، ومنها دعم مشروع الفحص والتدقيق التابع للحكومة الأميركية، الذي يؤدي دوراً محورياً في معالجة حالات اللجوء والهجرة من خلال تحديد أي صلات لمقدم الطلب وأفراد محددين من عائلته بالإرهاب الدولي.
ومع ذلك، فإن التقييم الأخير يغفل آثار أزمة الحدود التي تعيشها عدد من الولايات، وفشلت إدارة بايدن في احتوائها حتى الآن، مع تدفق المهاجرين على الحدود الأميركية مع المكسيك، إذ سجلت السلطات الأميركية محاولة عبور أكثر من مليوني مهاجر العام الماضي، بزيادة قدرها 300 ألف عن عام 2021.
دولياً، يشير التقرير إلى أن الحركات الإرهابية حول العالم تواصل إلهام أتباعها وتمكينهم لتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.
لافتاً إلى أن تنظيمي “داعش” و”القاعدة” هما أبرز تهديدين إرهابيين أجنبيين تواجههما المصالح الأميركية، لكنهما حالياً أكثر فاعلية في السعي إلى تنفيذ العمليات ضد الخصوم الإقليميين والمحليين.
وما زال تنظيم “داعش” بحسب التقييم الأميركي حاضراً في سوريا والعراق حيث يتمتع بقيادة مركزية قد تمكنه من تشكيل تهديد عالمي للمصالح الأميركية والغربية، وللسكان المحليين على حد سواء.
فعلى رغم خسارة “داعش” أكثر من 10 من كبار قادته خلال السنوات الثلاث الماضية، فإنه ما زال يقود “تمرداً منخفض المستوى في العراق وسوريا منذ الهزيمة الإقليمية التي لحقت به في عام 2018، ويترأس شبكة عالمية متماسكة سمحت للتنظيم بالحفاظ على نفوذه، وأتاحت له في بعض المناطق مثل أفريقيا توسيع نطاق التجنيد والعمليات”.
وتأكيداً على استمرار تهديد “داعش”، أشار المركز الأميركي لمكافحة الإرهاب إلى تعيين التنظيم بسهولة زعيماً جديداً في فبراير (شباط) العام الماضي، بعد الغارة التي أسفرت عن مقتل الزعيم السابق أبو إبراهيم القرشي، وقبول عناصر التنظيم الزعيم الجديد من دون ظهور بوادر انقسام أو تفكك داخل فروع وشبكات التنظيم على رغم القيود التي يواجهها في العراق وسوريا.
ولفت إلى أنه حتى في ظل القيادة الجديدة، ما زال تنظيم “داعش” “يواصل استغلال المناطق التي تضعف فيها سلطة الدولة في العراق وسوريا، حيث ينشط حالياً كجهة متمردة سرية”.
وأضاف “في هذا العام، أعطى تنظيم (داعش) الأولوية لمهاجمة مركز اعتقال في شمال شرقي سوريا يضم قادة رئيسين ومقاتلين متمرسين ينتمون إليه”.
وتشير هذه العملية إلى “قدرة التنظيم على شن هجمات بارزة وإعطاء الأولوية لجهود إعادة تشكيل صفوفه المتضائلة”.
ومن الآليات الأساسية التي يستخدمها “داعش” لتهديد الغرب هي وسائله الإعلامية، فحتى مع انخفاض قدراته الإعلامية مقارنة بسنواته الأولى، يتمثل تهديد التنظيم للولايات المتحدة والغرب في المهاجمين المعرضين للتأثر برسائله.
وتجلت قدرة التنظيم على إثارة العنف من خلال مناصريه، بعد هجوم نفذه أحدهم في أوسلو في يونيو (حزيران) العام الماضي، أودى بحياة شخصين وأصاب 21 آخرين، كما ساعدت بعض الجماعات المؤيدة لـ”داعش” في تعزيز وجوده الإعلامي عبر “إنشاء دعايات بلغات متعددة وأرشفتها وترجمتها ونشرها على الإنترنت”.
ونشرت إحدى هذه الجماعات الداعمة لـ”داعش ولاية خراسان” مواد إعلامية باللغة الإنجليزية ركزت على نزع الشرعية عن الولايات المتحدة ونقد حركة “طالبان”.
وحذر التقييم من أن “داعش” يستغل الضغوط المحلية غير المتكافئة لمكافحة الإرهاب في أفريقيا لتوسيع وجوده، وتطوير قدرات جديدة خارج معاقله التقليدية في شمال وغرب أفريقيا، مشيراً إلى أن توسع الجماعة في موزمبيق بشكل متزايد يهدد مشاريع الطاقة التي يقودها الغرب هناك، في حين “تظهر علامات نفوذ (داعش) في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب أفريقيا ودول أخرى في المنطقة جاذبيته المتزايدة في جميع أنحاء القارة”.

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!