كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

سعر الصرف في العراق بين تغيير المنظومة المالية والمحاصصة السياسية

يحاول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خفض سعر الصرف في العراق عبر تغيير محافظ البنك المركزي فيما يرى محللون أن التعيين الجديد هو هروب إلى الأمام ووضع الكرة في ملعب حزب الدعوة الإسلامية التي ينتمي إليها المحافظ الجديد.

جاء قرار تغيير محافظ البنك المركزي حاملا وجهين، إذ عرض رئيس الحكومة محمد شياع السوداني للإشادة والانتقاد بنفس الوقت، ففيما عدت الخطوة جيدة في ظل أزمة سعر الصرف في العراق ، لكنه واجه هجوما باختياره علي العلاق للمنصب، من قبل سياسيين واقتصاديين،

إذ اكدوا أن هذا التعيين هو تمكين لحزب الدعوة، ولم يستبعدوا وجود اتفاق مسبق ليخلي السوداني مسؤوليته من الأزمة ويحملها للحزب.

ويقول المحلل السياسي محمود الحسيني، إن “السوداني، وجد نفسه ملزما بإحداث تغيير في المنظومة المالية في البلاد، وأراد امتصاص سخط الشارع من خلال تغيير محافظ البنك المركزي”.

ولا يستبعد الحسيني أن “يكون السوداني اخذ تعهدات من العلاق لإنهاء هذه الأزمة قبل اسناد المنصب له”.

وأوضح أن “العلاق ينتمي إلى حزب الدعوة الإسلامية، وهذا الحزب هو من أكثر الأحزاب التي تضغط على السوداني لإنهاء هذه الأزمة،

لذا فان إسناد منصب محافظ البنك المركزي من شخصية تابعة لهذا الحزب يتواءم مع رغبة الحزب في إنهاء هذه الأزمة”.

تخفيض سعر الصرف في العراق يحتاج لمساعدة حلفاء السوداني

ويتابع، أن “هذا الإجراء الذي اتخذه السوداني نوع من إفراغ المسؤولية منه، بوضع المسألة على عاتق حلفاء معينين لإنهاء الأزمة”.

وأشار إلى أن “هذه المهمة لا يمكن أن تنجح إلا من خلال مساعدة الحلفاء وخاصة أصحاب النفوذ منهم”.

يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، قرر أمس الأثنين، إعفاء محافظ البنك المركزي مصطفى مخيف من منصبه بناءً على طلبه، وكلف علي محسن العلاق بإدارة البنك المركزي بالوكالة،

كما أحال مدير المصرف العراقي للتجارة على التقاعد، وكلف بلال الحمداني لإدارة المصرف العراقي للتجارة إضافة إلى مهامه.

وكان العلاق قد شغل منصب محافظ البنك المركزي سابقا، وأقيل منه في عام 2018 بعهد رئيس الحكومة عادل عبد المهدي بعد تظاهرات كبيرة انطلقت للمطالبة بإقالته، على خلفية فضيحة غرق 7 مليارات دينار في خزينة مصرف الرافدين، بسبب مياه الأمطار، كما أكد العلاق في حينها.

ويرى المحلل السياسي فلاح المشعل، أن “الإجراء الذي اتخذه رئيس الوزراء بتغيير محافظ البنك المركزي هو محاولة لفك الضغط بشأن سعر الصرف في العراق، ولكن لا يمكن أن يرقى استبدال المحافظ إلى حل للمشكلة الاقتصادية، بل الحل يكمن في القضاء على مافيات التهريب وغسيل الأموال”.

ويضيف المشعل أن “وجهة تهريب الدولار معروفة، والموضوع أن هذه المافيات تمثل اليد الضاربة للدولة العميقة التي تسيطر على المال تحديدا وتتحكم بسعر الصرف”.

ويتابع أنه “عندما بدأت إجراءات الحد من تهريب الدولار عبر المصارف الأهلية وبعض الحكومية اتجهت هذه المافيات إلى سحب الدولار من الشارع والمصارف التي تبيعه، وهو ما سبّب شحة بحسب العرض والطلب، وهذه المعادلة ترتبط بنفوذ مافيات التهريب، لكن خفض سعر الدولار وإعادته إلى سعره السابق يتم بوقف عمليات التهريب وعدم السماح بخروج المال”.

ويعتقد المشعل أن “البنك المركزي لم يحظ بمحافظ مهني بعد رحيل سنان الشبيبي، فقد كان الرجل خبيرا ويملك السيطرة على إدارة الأموال، إذ تمكن من خفض سعر الصرف إلى 120 ألف دينار لكل مائة دولار”.

مشيرا إلى أن “استبدال المحافظ لا يعالج الأزمة الحالية وعليه فأن الأزمة ستبقى ويمكن أن تتفاقم أكثر من الآن”.

وعن المحافظ الجديد، يستدرك المشعل أن “المعروف عن العلاق هو قيادي بارز في حزب الدعوة ولهذا هو تمكين لحزب الدعوة للعودة الى مراكز النفوذ والمال كما انه لم يثبت نجاحه سابقا، وحصلت مشكلات بفترته وخرجت ضده مظاهرات عدة كما أنه ليس مهنيا”.

وأثار العلاق لغطا أيضا خلال وجود سابقا في ذات المنصب، من خلال وضع أسمه على العملة العراقية، إلى جانب صفته، في خطوة مغايرة لما هو معروف، حيث يتم الإكتفاء بوضع الصفة فقط وهي محافظ البنك المركزي.

يذكر أن مدير المكتب الإعلامي لرئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، نشر تغريدة بعد قرار تعيين العلاق قال فيها “بعد التغييرات التي اجراها رئيس الوزراء في البنك المركزي العراقي والمصرف العراقي للتجارة، هناك قرارات مهمة اخرى ستتخذها الحكومة ستعيد الامور الى نصابها تدريجيا”.

من جانبه، يبين الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي علي كريم إذهيب، أن “مشاكل العراق الاقتصادية والمالية، يعود أساسها إلى تدوير الشخصيات في المناصب المهمة وخاصة المتحكمة بالسياسة النقدية مثل البنك المركزي العراقي، وليس البحث حلول جذرية لمعالجة الأزمة”.

ويتابع “اتسائل كيف تم تكليف العلاق وهو الذي شغل منصب محافظ البنك في عهد الحكومات السابقة والتي شهدت وقتها أيضا أخطاء كبيرة؟.

مضيفا “لكن هذه القرارات التي أتخذها السوداني منها تكليف العلاق، ممكن أن تكون بداية جيدة، إلا أنه يجب تعضيدها باجراءت اضافية وحازمة للسيطرة على السوق الموازية”.

ويشهد سعر الدولار تقلبا حادا منذ قرابة الشهرين، حتى بلغ مؤخرا 167 ألف دينار لكل مائة دولار قبل أن ينخفض بعد تغيير محافظ البنك المركزي إلى 158 ألف دينار، وهذا الأمر عزي إلى مراقبة واشنطن لحركة الدولار، للحد من تهريبه وفرضها إجراءات صارمة على بيع الدولار بمزاد العملة، حيث انخفضت مبيعات البنك المركزي من 300 مليون دولار يوميا إلى نحو 60 مليون يوميا.

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!