الجناة لا يحاسبون والانتهاكات ضد الصحفيين في العراق مستمرة
الانتهاكات ضد الصحفيين في العراق مستمرة منذ غزو العراق عام 2003 إذ قتل مئات الصحفيين مما جعله يحل خامسا في مؤشر الإفلات من العقاب.
على الرغم من الاستقرار الأمني النسبي الذي يشهده العراق، ووجود عدة قوانين تعنى بحماية الصحفيين والحد من انتهاك حقوقهم، فإن العراق حلّ بالمرتبة الخامسة على مستوى العالم في مؤشر الإفلات من العقاب، وفق آخر تصنيف للجنة حماية الصحفيين الدولية (مقرها نيويورك) للعام الحالي 2022، وذلك بعد مرور 9 سنوات على إقرار الأمم المتحدة يوم الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام يوما عالميا لتسليط الضوء على إنهاء الإفلات من العقاب.
وصنفت لجنة حماية الصحفيين العراق في المرتبة الخامسة عالميا في المؤشر العالمي للإفلات من العقاب لهذا العام، بعد كل من الصومال وسوريا وجنوب السودان وأفغانستان.
مؤكدة أن الصحفيين حول العالم يُقتلون انتقاما من التقارير التي ينتجونها، في حين يستمر الجناة في الإفلات من العقاب والمحاسبة، بحسب اللجنة.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت القرار رقم 68-163 لعام 2013 والذي اعتمدت فيه يوم الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام يوما عالميا لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الصحفيين، وذلك من أجل رفع مستوى الوعي بشأن التحدي المتمثل في الإفلات من العقاب واتخاذ خطوات عملية ضده.
وتؤكد نقابة الصحفيين العراقيين أنها سجلت منذ الغزو الأميركي عام 2003 وحتى الآن مقتل 495 صحفيا كانوا يعملون في مؤسسات إعلامية مختلفة.
مشيرة إلى أن قانون حقوق الصحفيين الذي أعدته النقابة وأقر في مجلس النواب عام 2011، أسهم بشكل كبير في تأمين حقوق الصحفيين.
وفي هذا الصدد، يقول عضو مجلس النقابة ومسؤول اللجنة المهنية ناظم الربيعي إن النقابة سجلت وعلى مدى أقل من عقدين من الزمن 495 جريمة قتل بحق الصحفيين العراقيين، حيث إن بعضهم قضوا نتيجة استهداف مباشر، في حين قتل البعض الآخر خلال عملهم في المناطق التي شهدت نزاعات مسلحة وحروبا.
وأوضح الربيعي أن قانون حقوق الصحفيين أسهم في تأمين حقوق الضحايا من الصحفيين، حيث ضمن رواتب لذويهم تعادل رواتب ضحايا الإرهاب، مثلما خصصت رواتب للجرحى من الصحفيين وحسب نسبة العجز البدني بعد الإصابة.
ويشير الربيعي إلى أن للنقابة اجتماعات مستمرة مع الأجهزة الأمنية لبحث سبل حماية الصحفيين، وتأمين حماية مقرات المؤسسات الإعلامية المتعددة، لا سيما تلك التي تتعرض لتهديدات من جهات مختلفة.
وفي الشأن ذاته، تؤكد مسؤولة قسم الشهداء في نقابة الصحفيين العراقيين سناء النقاش أن من بين 495 صحفيا من الذين قتلوا منذ عام 2003 وحتى الآن هناك 36 صحفية، إضافة إلى 30 صحفيا عربيا وأجنبيا، غالبيتهم قتلوا برصاص القوات الأميركية خلال وبعد غزو العراق خلال القيام بأعمالهم الصحفية في بغداد والمحافظات العراقية.
ومع استمرار تسجيل العراق انتهاكات ضد الصحفيين، طالب مرصد الحريات الصحفية بإحالة ملف جرائم استهداف الصحفيين في العراق إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتبار تلك الجرائم جرائم حرب، لا سيما إذا استمرت السلطات العراقية في الإخفاق في ملاحقة قتلة الصحفيين وعدم اتخاذ إجراءات للحد من حالة الإفلات من العقاب.
ويرى رئيس المرصد زياد العجيلي أن قضية الإفلات من العقاب لا تزال من القضايا الأكثر إلحاحا لضمان حرية التعبير، ولا سيما أن المؤشرات تؤكد أن قتلة الصحفيين لا يزالون بمأمن من العقاب في البلاد بواقع إفلات 9 من أصل كل 10 حالات.
وتابع العجيلي أن “الجرائم التي ترتكب بحق الصحفيين والمهنيين في وسائل الإعلام العراقية مستمرة من دون ملاحقة قضائية حتى الآن، والسلطات العراقية لم تبدِ الاهتمام المناسب لملاحقة المتهمين بجرائم قتل الصحفيين، على الرغم من فتح العديد من التحقيقات ووجود أدلة دامغة لإدانة جهات بعينها، لكن من دون اتخاذ أي إجراءات تذكر، إذ قيدت أغلب جرائم القتل المباشر للصحفيين ضد مجهول”.
تحدد بعثة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” (UNESCO) في العراق مؤشرات على الإفلات من العقاب تجاه الصحفيين، مستندة على بيانات وتقارير اللجنة الوطنية العراقية لحماية الصحفيين، التي تزود المنظمات الدولية بالحوادث التي يتعرض لها الصحفيون بالعراق.
ويقول ضياء صبحي مسؤول قطاع حرية التعبير عن الرأي وسلامة الصحفيين في مكتب المنظمة بالعراق، إن مؤشرات الإفلات من العقاب لقتلة الصحفيين بالعراق تنقسم إلى قسمين، الأول تراكمي ويقيس مجموع جرائم القتل التي بلغت أكثر من 400 جريمة، مشيرا لوجود حالات غير معترف بها من قبل الحكومة، حيث لم تؤكد وسائل الإعلام أن الصحفيين القتلى كانوا يعملون لديها.
وأكد صبحي أن السلطات العراقية توصلت للجناة في 13 جريمة فقط تتعلق بقتل الصحفيين، في حين لا تزال القضايا الأخرى غير محسومة، وفقا لبيانات وتقارير اللجنة الوطنية العراقية لحماية الصحفيين ومكافحة الإفلات من العقاب الصادرة للأعوام من 2016 وحتى 2021، موضحا أن هذه الأرقام تجعل العراق في تصنيف عالمي سيئ، بحسبه.
وأضاف أن العراق مطالب دوليا بأن يرفع تقاريره السنوية للأمم المتحدة ويبين فيها الإجراءات التي يتبعها على صعيد الوقاية والحماية والمتابعات القضائية، إذ إن التقارير التي ترفعها لجنة حماية الصحفيين العراقيين غالبا ما تنقصها المعلومات، فضلا عن أنها غير مستوفية للمتطلبات المقرة دوليا فيما يتعلق بحماية الصحفيين ومكافحة الإفلات من العقاب، وفق رأيه.
أما القسم الثاني فهو معني بالمؤشرات السنوية، بحسب صبحي، مضيفا أن السنوات بين عامي 2020 و2022 لم تشهد أي جريمة قتل للصحفيين، وقد تم حسم 4 قضايا قتل من أصل 5 حدثت عام 2019، الأمر الذي يؤشر إلى أن الإفلات من العقاب بالنسبة لاستهداف الصحفيين خلال هذه السنوات تراجع إيجابيا بنسبة 93%.
مختتما حديثه “على صعيد المؤشرات الأخرى، وجدنا أن المخاطر الرقمية والتهديدات عبر الفضاء الرقمي فاقت نسب الإفلات من العقاب فيها بحدود 95%”.
ووفق منظمة اليونسكو لمؤشرات الإفلات من العقاب للحالات الأخرى من التهديدات والمخاطر، فإن المنحنى التراكمي للعراق للسنوات من 2006 وحتى الآن يتأرجح صعودا ونزولا بسبب استمرار التهديدات والمخاطر التي لا تزال غير خاضعة للعقاب.
وتبرز مشكلة أخرى تتعلق بعمل الصحفيين العراقيين، وفق ما يؤكد صبحي، مشيرا إلى أن التوظيف القائم على الاتفاق الشفهي بين الصحفي والمؤسسة الإعلامية يعد أحد أنماط المخاطر.
وأوضح “سجلنا أن 94% من العاملين بالمهن الإعلامية والصحفية لا يملكون عقود عمل قانونية مكتوبة ومصدقة، وهذه المخالفة الإنسانية والمهنية لا تزال خارج إطار العقاب والتنظيم، وهي سبب أساسي في تساقط كل الحقوق الأخرى للصحفيين حتى يصل إلى خطر الاستهداف المفضي إلى الموت”.
وعن التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية بشأن ما يتعرض له الصحفيون، يرى رئيس الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين إبراهيم السراج، أن ظاهرة الإفلات من العقاب استفحلت في البلاد بعدما قيّدت غالبية الجرائم ضد مجهول، قائلا “السبب هو غياب الجدية لدى الأجهزة الأمنية حيث تهمل التحقيقات الرسمية التي ينبغي أن تكون شفافة، وهو ما أسهم في زيادة الإفلات من العقاب حتى احتل العراق المراتب المتقدمة في هذا الخصوص”.
أما الخبير القانوني علي التميمي فيعزو استهداف الصحفيين لأسباب عدة، منها توجهات وسائل الإعلام السياسية، والانتماءات السياسية لبعض منتسبي الأجهزة الأمنية، وثقافة رجل الأمن، إذ إن غالبية منتسبي الأمن بحاجة إلى دورات تخصصية تعزز ثقافة حقوق الإنسان، وتعرفهم بمواد قانون حقوق الصحفيين والاتفاقيات الدولية، بحسب التميمي.
ويؤكد أن الحماية القانونية للصحفيين التي تضمنها قانون رقم 21 لسنة 2011 نصت في المادة الثامنة على أن من يعتدي على الصحفي كمن يعتدي على الموظف أثناء أداء الواجب وفق المادة 229 من قانون العقوبات، وتصل عقوبة ذلك إلى الحبس 3 سنوات.
وكان مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية ورئيس خلية الإعلام الأمني اللواء سعد معن قد أكد في حديث سابق أن وزارته حريصة على حماية الصحفيين والمؤسسات الإعلامية العاملة في العراق، وتعمل بالتعاون مع جميع وسائل الإعلام لتسهيل عمل الصحفيين وتأمين حياتهم، لافتا إلى أن العراق اليوم يختلف عما كان عليه في السنوات السابقة فيما يتعلق بحرية التعبير، وأن البلاد لم تعد بالمستوى المتدني ذاته في مجال الحريات والحقوق، بحسبه.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat