رحل الراضي( .... ونحن على الأثر) ....شهداء مع إيقاف التنفيذ
عدي المختار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عزائكم في جرحي الكبير
مع نهاية الشهد استذكر جرحي الكبير ....... ذكرى اغتيال صديقي ورفيق دربي الشهيد الصحفي نزار عبد الواحد الذي اغتيل يوم 30/5/2007 في شارع دجلة وسط مدينة العمارة وهو في واجبه الاعلامي والصحفي المقدس ...
اغتالته ايادي العمالة وخفافيش الظلام ...فغاب عنا كاي بدر في ليل تمامه .... رحم الله ابا سيف .... وانشر مقالي الذي نشرته بعد وفاته بأسبوع في صحيفة الأهالي العراقية .....
********************************
.
بقلم - عدي المختار
(يمضون أبرياء ونحن على الاثر ) كان هذا عنوان المقال الذي نشر في جريدة الزوراء للشهيد والشاهد على بيع العراق (نزار الراضي) والذي تحدث فيه عن شهداء الصحافة ,وكأنه تنبأ بأنه سيقتل على يد مجرمين جبناء باعوا ضميرهم وتلطخت جباههم بعار العمالة والرذيلة ,لينهوا برصاصات (خسيسة ) كأصحابها , أمال وطموحات وأحلام , أنبل , واشرف, واخلص , وأطيب , صحفي عرفته في مشواري الصحفي والإعلامي في ميسان .
اعرفه منذ زمن طويل...صديق من الطراز الخاص وأخ لا مثيل له , وصحفي مثابر يحاول أن يسابق الزمن ليصنع له اسما في السلطة الرابعة التي باتت سلطة بلا سلطة....أو سلطان.
عطوف وحنون وأنساني , لا يعرف الحقد أو الخيانة والتآمر طريقا لقلبه , بحق كان أخا لي في وقت المحن , ولم يكن رحيله فاجعة لي وحدي فقط بل بكته العمارة كلها ,لا لكونه صحفي بل لمشواره الأخلاقي الذي يحترمه الجميع وعلاقاته الاجتماعية التي ليس لها من حدود .
عرفته مثابرا في العمل, هادئ الطباع, قنوع ومقتنع بحاله وأحواله, أب حنون لأربعة أطفال (ثلاثة أولاد وبنت وحيده), كان يحرص على إبعاد شعور الوحدة من ابنته بتودده لها وعدالته الأبوية بينهم.
أيضا عرفته من خلال حديثه زوج يحترم الحياة الأسرية , ينزع جلباب همومه ويغادر مهنته ومشاكل عمله عند باب الدار ويلبس جلباب الأبوة , كان يؤمن أن الأسرة الناجحة هي التي يحاول رب الأسرة فيها أن يكون رب أسرة داخل البيت لاغير ,وان نجاح الحياة الأسرية يعني بناء مجتمع قوي ومعافى .
عرفته أخ لم تلده لي أم , أستشيره ويستشيرني , وان لم نلتقي كل يوم نتواصل عبر الموبايل , وبعد ما تعرضت له أنا من محاولة اغتيال فاشلة يوم التاسع من محرم المنصرم (أي قبل عام من اغتياله) , أصبح يحرص كل ليلة على الاطمئنان علي ,هل عدت للدار أم لا ؟؟؟.
ذات مره وأنا ابلغه بأن سيارة (بيك اب نيسان حديثة مضللة الزجاج ) تبعتني منذ خروجي من الدار قال لي(أنت مستهدف نعم .. لكن لا تتصور أبدا أن في ميسان شخص يريد أن يقتل صحفي ألا أن كان هذا الشخص من خارج هذه المدينة ... نحن نقدم خدمة لميسان بلا مقابل ... يكفي أننا نؤرخ لفترة ما بعد التغيير).... .
لفتت انتباهي كلمة (نحن نؤرخ لفترة ما بعد التغيير ) وسألت نفسي مرارا وتكرارا, هل نحن شهود مرحلة تاريخية؟؟؟ هل يتركونا نؤرخ بتقاريرنا وتحقيقاتنا هذه الفترة المظلمة من تاريخ العراق ؟؟؟ ألا ينزعج سياسيو اليوم حينما يوثق كتاب التاريخ تاريخ ما بعد التغيير من خلال كتاباتنا ؟؟؟ هل يروق للسياسيين ما يكتبه الصحفيين .. من توثيق للقتل وللصراعات (الميلشوية) والتدخلات المخابراتية لدول الجوار الذي سينعكس على سمعة السياسيين لأنهم هم من حكموا العراق بعد التغيير؟؟ ؟؟؟؟؟.
حقا نحن نؤرخ التاريخ ,غدا حينما يولد جيل من المؤرخين المعتدلين في كتابتهم للتاريخ ,ويريدون أن يوثقوا التاريخ بعيدا عن النزاعات والميول والتوجهات سواء كانت سياسية أو دينية , حينها سنكون شهود تاريخ , لان أربعة سنوات مضت كتب خلالها الصحفيين والإعلاميين العديد من التحقيقات والإخبار والتقارير عن صراعات حزبية أو انقسامات دينية أو تراجع المبادئ لدى هذا السياسي او ذاك , عندها لا يجد كتاب التاريخ غير ما ارشفتة الصحف العراقية لاسيما الصحف والصحفيين المهنيين المعتدلين في الطرح ونقل الموضوع .
وهنا يبرز مدى أهمية استهداف الصحفيين والإعلاميين ,فالقوى الظلامية التي تعد أجنحة عسكرية لهذا الحزب وذاك التيار , أدركت بأن ثمة من يهدد مستقبل بقائها على الساحة السياسية ,ويهمها أن لا يتم توثيق مراحل انكساراتها أو انهزاماتها أو خيانتها أو تراجعها عن الثوابت الوطنية ,وطمس هذه الحقائق سيساعدها في أجراء تنويم مغناطيسي للأجيال القادمة تكون هذه القوى لدى هذه الأجيال هي أسمى شيء في الوجود وأنظف تاريخا من غيرها . لذا حلل قتلنا ,واستباحة دمائنا وعيالنا , لا لشيء ألا لكي لا يعرف جيل المستقبل ماذا حدث للعراق بعد سقوط نظام البعث وتسلم السلطة لمعارضيه .
وبإجراء مسح شامل لكل من استهدفتهم رصاصات الغدر من الصحفيين والإعلاميين وأصحاب القلم الذين يعرفون مدى أهمية القلم في توثيق هذه المرحلة المظلمة من تاريخ العراق ,لاكتشفنا أن جميع من تم استهدافهم ,هم صحفيين من طراز خاص ,حملوا هموم شعبهم وأرواحهم على راحاتهم , وعرفوا أن للكلمة فعل كفعل الرصاص ,وان شرف مهنتهم كفرسان للسلطة الرابعة والتي من المفترض أن تكون سلطة رقابية على أجهزة الدولة يحتم عليهم أن يكونوا وطنيين ولا يساومون أمام الثوابت الوطنية ولا يتهاونون مع من يخطئ بحق العراق حتى لو كلفهم ذلك أنفسهم .
نقلوا الحقيقة وكانوا شهود شهداء كتبوا التاريخ بدمائهم وهم ينقلون ويوثقون معانات الشعب , فالشهيدة أطوار بهجت وثقت للتاريخ أن الصراع في العراق ليس صراعات دينيا بل سياسيا استغل فيه الدين بشكل (موسادي) هدام ,اما الدكتور عبد الرزاق النعاس كتب للتاريخ حقيقة مره هو ان الصراع في العراق صراع من اجل السلطة ومن جاء من خلف أسوار الوطن لا يهمه الشعب بل يهمه الكرسي والسلطة , أما الشهيد نزار عبد الواحد الراضي كتب بدمه الطاهر للتاريخ حقيقة بشعة مفادها أن السياسة في العراق لا يقودها السياسيون بل تسيرها المخابرات الإقليمية وان العراق أصبح ساحة للصراعات الإقليمية مابين سوريا وإيران .
وان أردنا أن نعدد ما كتب شهداء الصحافة فربما سيطول الكلام ويعبر كتابته مجلدات ,لكن ما نريد أن يوثقه ما تبقى من هؤلاء ,اعني نحن ممن كتبت أسمائنا في قائمة المطلوبين كشهود أحياء نوثق التاريخ وأموات مؤجلة أو أموات مع إيقاف التنفيذ فلم يعطي سيد الظلام القابع في دهاليز دول الجوار الأذن في هدر دمنا .
نريد أن نوثق شهادة مفادها الشهداء مضوا لأنهم أرادوا أن يوقضوا ضمير الولاء للوطن لدى السياسي, ألا أن رصاصات غدرهم كانت أسرع استجابة من ضميره.
أما نحن فيكفينا أن نزار الراضي حينما هوى وسقط على الأرض صريعا كان العلم العراقي يرفرف فوق هامته ,فهي ليست صدفه بل أراده الله إن يموت تحت سارية العلم العراقي .
رحل الراضي ونحن على الأثر أموات مؤجلة , لم يحن الوقت بعد لاستباحة دمنا لكن بالتأكيد لم يدم طويلا , لذا نحن جميعنا شهداء مع إيقاف التنفيذ......