صفحة الكاتب : فاطمه الركابي

سورة الانسان تذكرة وفرقان
فاطمه الركابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إن لكل سورة في القرآن الكريم سبباً لنزولها، يمكن أن نفهمه مما ورد من الروايات الشريفة، ويمكن أن نعرفه من تتبع نفس آيات تلك السور، إذ جاءت سورة الإنسان معرفة لعلة نزولها إنها تذكرة بقوله تعالى: «إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا»(الإنسان:٢٩).

إذ ابتدأت السورة بسؤال تذكيري، قال تعالى: «هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا»(الانسان:١)، فهذا السؤال بقدر ما هو سؤال استدلالي/ عقلي يُذكر الأنسان بأصل خلقته، وكيف أنه كان عدماً، ثم تفضل الله تعالى عليه فخلقه وجعله شيئاً مذكوراً، عزيزاً، مكرماً على سائر مخلوقاته، بقدر ما هو سؤال يوجب للذاكرين حصول تفاعل نفساني.
إذ قال تعالى: «إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا»(الإنسان:٢)، فعبارة {نَبْتَلِيهِ} هي تلخص لنا مسؤوليتنا تجاه علة خلقنا، وتجاه النعم التي مُيزنا بها عن سائر المخلوقات، كذلك عبارة «فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا» تشير الى كون الإنسان مخلوقاً مُخيراً، مُيز بأنه بالاستماع يدرك الوقائع، وبالبصيرة يُبصر الحقائق، وهذه النعم توجب حصول حركة على المستوى الحياتي.
ومن هنا، انقسم الناس تجاه هذه التذكرة الى صنفين كما في قوله: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا»(الإنسان:٣)، فالصنف الأول هم الأبرار الشاكرون لأنعم الله تعالى، الذين لم يغفلوا أنهم وما يملكون لخالقهم، فهم ممن وصفهم تعالى: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا»(إلإنسان:٧)؛ فلم يبخلوا بالعطاء، ولم يطلبوا من مخلوق جزاء، كما في قولهم: «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا»(الإنسان:٩)، ولم يجزعوا في شدة، ولم يطغوا في رخاء، كما في قوله: «وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا»، فهم ممن شملهم ربهم وأدخلهم برحمته، بقوله: «يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ»(الإنسان:٣٠)، ولأنهم كانوا من أهل الشكر جزاهم ربهم شكراً، قال تعالى: «إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا○ إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا»(الإنسان:٥، ٢٢).
والصنف الثاني هو الإنسان الكافر الجاحد لأنعم الله تعالى عليه، الذي لم يسخرها لأصل وغاية وجوده، قال تعالى: «إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا»(الإنسان:٢٧)، فهم ممن ظلموا أنفسهم، ووضعوها بغير موضعها فاستحقوا العذاب، كما في قوله تعالى: «وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»(الإنسان:٣٠)، إذ كان مصيرهم سوء العاقبة، كما في قوله: «إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا»(الإنسان:٣).
فهذه السورة هي تذكرة لكل الناس تقول لهم: ما دمتم على قيد الحياة، فلكم الخيرة إما أن تكونوا من أهل الشكر وحمل المسؤولية، والنجاح بالاختبار الإلهي، فتكونوا من السعداء، أو تكونوا من أهل النسيان والجحود، فتكونوا من أهل الشقاء في دار البقاء.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فاطمه الركابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/06/14



كتابة تعليق لموضوع : سورة الانسان تذكرة وفرقان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net