عرف لي نفسه: أنيس بن جنادة بن سفيان، وهذا التعريف يكفي ان يبث في روحي السعادة فقلت:ـ اهلا بالعم انيس، حدثني عن اخيك ارجوك؟ فأجاب: عليك أولا ان تعرف انه كان يكره عبادة الاصنام، وكان يدهشني كثيرا حين أجده يبحث عن الله تعالى.
وجاءني ذات يوم وهو قلق يناديني:ـ انيس انيس... سمعت ان نبيا كريما ظهر في مكة، اريدك ان تذهب الى مكة لتعرفه نحن اقرب، فذهبت والتقيت بالنبي (ص)، وسمعت منه، ثم عدت الى البادية فتلقاني أبو ذر بلهفة، وسألني عن اخبار النبي الجديد بشغف، قلت له: رجل يدعو الناس الى مكارم الاخلاق، سألني: ماذا يقول الناس عنه هناك؟ قلت: يقولون عنه ساحر، وكاهن ومجنون..!
فقال: هذا الذي عندك ما شفى لي قلبي ولا قضيت لي حاجة، فاكفل عيالي لأذهب اليه، اخبرته ان عليه ان يكون حذرا من اهل مكة؛ لأن هذا الرجل محارب هناك، فتوجه أبو ذر الى مكة لمقابلة النبي (ص) وهو خائف متوجس من أهلها، نام في الكعبة فأخذه مولاي أبو الحسنين لثلاثة أيام اخبره ما يريد، واخذه الى لقاء نبي الرحمة (ص) فدخل أبو ذر وسلم بتحية الإسلام، وقف بعدها وسط الناس ونادى بأعلى صوته: يا معشر قريش، اني اشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله،، فطلب منه الرسول (ص) ان يرجع الى غفار ويدعوهم الإسلام، فلما وصل الى غفار، سألته عما فعل؟
فقال لي: انا اسلمت، واسلمت انا أيضا، وذهبنا الى امنا فأسلمت هي الأخرى، وظل أبو ذر الغفاري واسرته يدعون اهل غفار الى الإسلام، حتى اسلم الكثير وذهب الى المدينة ليقيم بجوار رسول الله(ص) واشترك في غزوة الخندق ولم يكن له بيت، فكان ينام في المسجد.
وكان أبو ذرّ في المدينة من المقرّبين إلى النبيّ(ص) وموضع ثقته، كما شارك في عدَّة غزوات، ومنها غزوة بني المُصطَلق، كما تسلّم مقاليد الأمور في المدينة بدل النبيّ(ص) خلال حجّه العمرة في سنة 7 هـ. وفي فتح مكَّة أيضاً، حمل أبو ذرّ راية جيش بني غفّار المكوّن من 300 فرد، ومرّ أمام أبي سفيان. وشارك بعدها في غزوة حُنين كذلك، وبعد وفاة رسول الله (ص).
كان أبو ذر ممّن مال إلى أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، ورفض مبايعة غيره، وكان قريباً من الإمام عليّ (عليه السلام) إلى الحدّ الذي شارك معه ضمن خاصّة أصحاب الإمام في المراسم الخاصّة بتشييع جثمان فاطمة الزّهراء(عليها السلام).
نال أبو ذر نقمة من عروش الكيد، وأعلن معارضته لهم بقوة، فأمروا بنفيه الى الربذة، شيعه الامام علي (عليه السلام)، وبعض المقربين اليه، ومات هناك الى رحمة ربي وبركاته.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat