الصوت الذي زلزل إسرائيل وأعاد للإسلام هيبته
وليد المشرفاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لم يقع حدث استقطب اهتمام عالميا واسعا في أوان حدوثه وحتى الآن في تاريخنا المعاصر , كحدث قيام الجمهورية الإسلامية في إيران , بقيادة الإمام الراحل السيد الخميني (قده) , وتكمن دواعي ومثارات هذا الاهتمام في تميز هذه الثورة عما عداها من أحداث اتخذت صفة الثورة.
فميزتها الأولى : خروجها على المعادلة السياسية العالمية القائمة بأنظمة رأسمالية , وشيوعية , أو هجينة.
وميزتها الثانية: إن قائدها احد ابرز مراجع الأمة الإسلامية وهويتها الشيعية التي عملت إطراف خارجية وداخلية على تحجيم دورها حتى كادت أن تكون مغمورة على صعيد المباشرة في دائرة الفعل السياسي العام,ولشدت ما تعرضت له من تهميش وإقصاء , وإبعاد .وقد اقتضت طبيعتها استحالة مد يد العون إليها من الشرق والغرب معا..لأنها مدرسة ثالثة قائمة بذاتها سوى أن رضي أو لم يرضى الآخرون, وان مبدئيتها تحرم عليها الاستعانة بمراكز الكفر والإلحاد على أساس ( الغاية تبرر الوسيلة) وبما يفضي إلى تشويه ثقافتها ومسخ منطقاتها النظرية .
وميزتها الثالثة : حملها لأسرار النجاح على خلاف ما ينظر له الساسة , وعلى تباين مع حسابات المحللين , فرجل دين في عقده الثامن من العمر , لا يحمل بيده إلا مسبحة وسجادة صلاة ينتصر على (شاهنشاه – اريا مهر) الضليع في السياسة , والوريث لنظام حكم استمد شرعيته من أقوى دول العالم وحضي بدعم وتسديد مراكز القرار فيها ..واستنار بهدي ونصح المنظرين فيها ,وحمته أجهزة أمنية رهيبة , وأحاطت به جيوش وأساطيل جبارة كما تحيط الخيوط بدودة القز . وشعب اعزل تسحره (نداءات الله اكبر) فتذوب أمام هتافاته قوة خامس جيش في العالم , وترتبك أمام عنفوانه أقوى شبكة مخابرات .. فتسير الأمور وكأنها جاءت وفقا لمأثور الحديث (إذا حكم القضاء توقف العقل) .
ما زاد من عظمة هذا المارد في أعين المتابعين ..انه لم يعبا بأصوات التحدي التي كان يزمجر بها الفراعنة الأقوياء..ويتردد صداها على السنة الأقزام والصغار. فقد تشاغل بإرساء دعائم ما خطط له من بناء ..وتنقيط ما برز له من علائم خط .. وتمعلمت على يديه شواخص ثقافة جديدة , أصيلة , في منأى عن الانغلاق والتحجر , لأنها تحمل دينامية الإسلام الإلهي .. المعد للتعايش في كل عصر وفي كل مصر ..بعد أن كانت هذه الثقافة قابعة في بطون الكتب وقد اركنتها الأهواء المتحكمة على رفوف النسيان .
وبإلزام التحول شطب (الإمام الخميني) بريشة حكمته وجرأته على –تابلو- (فرق تسد) الذي تعبد به الناس ردحا من الزمن على دين ملوكهم ..فعادوا عجما وعربا , سنة وشيعة ..( ليعتبروا تحرير القدس القضية المركزية الأولى في نظام الجمهورية الإسلامية).
لتجد مصاديقها المباشرة في:-
1- غلق السفارة الإيرانية في طهران وإحلال سفارة فلسطين محلها.
• قطع أنبوب النفط الشاهنشاهي إلى إسرائيل ,وتوجيهه في دعم المقاومة لتحرير فلسطين .. حيث لا عجب في استغاثة (موشيه دايان) بطل نكسة العرب في 5 حزيران عام 1967 واستصراخه( لقد حدث زلزال في إيران وستصلنا اثارة).
ولا غرابة في التبكير باستعداء هذه الثورة والتعجيل بالقضاء عليها وهي فتية , لم تطفأ بعد شمعتها الأولى. ولا مفاجأة في فرض الحصار الأمريكي البريطاني الفرنسي الألماني .....عليها اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وغيره. ولا استغراب في أن يكون (صدام جزار العراق) رأس نفيظة القضاء على هذا النظام الفتي , وان تستنفر طائفية الأنظمة الرسمية في المنطقة كل حقد لتساهم بأراضيها وإمكاناتها المادية والسياسية والإعلامية , في مأدبة هذا العرس الكبير , لينبري(فهد) مخاطبا (صدام) منا المال ومنك الرجال..! ليكون واجب (قراءة الفاتحة) على روح قتيل مغدور في هذه الحرب الظالمة (ثلاثون ألف دينار) وهو رقم ضخم في حساب تلك الفترة العصيبة.
فلو كان صدام وأقرانه صادقين في ادعاءاتهم بالتباكي على فلسطين السليبة ..لتمت الاستعانة بهذه الدولة الجارة المسلمة .. ولجند المليون ضحية ومعاق .. ولو ظفت مئات المليارات من الدولارات المحروقة في اتون القادسية السوداء..باتجاه تحرير فلسطين فان لم تحرر بالفعل فلقد قطعت شوطا متقدما على طريق التحرير .. ولأرسيت صروحا للتآخي والتعاضد بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة ..بدلا من انتصاب مدافع الحقد والتباغض .وبعد هذا وذاك عاد المهم اليوم معرفة الناس من أين تستقي المعلومة الصحيحة؟وأين العدو وأين الصديق؟وكيف يتمكن من فرز الغث عن السمين , وتنقية الحقيقة عما هو تزوير؟
فحين يكون الصوت الأعلى والأكثر صدى هو صوت ذوي المصالح , لا سيما الذين نكبوا بفشل مهمة القضاء على النظام الإسلامي فكيف السبيل إلى ذلك وقد جندت مئات الفضائيات ومراكز البحوث , ومئات الصحف والمجلات , وطوابير من الخبراء السياسيين والإعلاميين ليعلن كل منهم عن (قادسيته) على طريقته الخاصة . وهذا الضخ الإعلامي الهائل الذي يهاجم أذهان ونفوس الناس , هو ذاته الذي يتعرض له الشعب الإيراني بشكل اخص وأقوى نبرة واشد تركيزا .وإذا ما كان هناك خطا مبدئيا متمسكا بنهج الثورة , مدركا بأنه يتحمل مهاما رسالية ..فليس كل الشعب الإيراني (كأي شعب) مبدئي , فلا يتسنى ذلك لأي شعب حتى لو توسطه نبي مرسل , تساق على يديه , بحسب الضرورة والمعاجز والكرامات.وإذا ما كانت ملامح الخط المبدئي متجسدة في اغلب شخصيات الثورة البارزة وطيف شعبي واضح ..ومواقف حرصت على طول الخط أن تنأى بنفسها عن المساومة على المبادئ لكنها بطبيعة الحال تدفع ضريبة ذلك ,بشئ من التحديات.فقد برز خط إصلاحي قد يجد أصحابه مبررا في أن هناك مساحة للاجتهاد في إدارة الملفات ..وهذا ما قد يكون مقبولا ,ولكن فيما يخص المبادئ الإسلامية فليس هناك ثمة ثنائية في المسار ,ولا يكون الاجتهاد في المساومة على المبادئ إلا حالة انحرافية عن الخط السليم.وإذا ما كان الخط المبدئي هو السائد خلال الثلاثة عقود من عمر الثورة ولحد الآن , قد خسر (شيئا) من ثمرات الانفتاح على الغرب (في نظر البعض) , فهو قد حقق منجزات ضخمة على صعيد التقدم الحضاري ..ورفع التكنولوجيا في إيران..تجاوز كثيرا كثيرا, ما عليه عموم الأنظمة الإقليمية (المنفتحة على الغرب) على طول الخط , والتي لم تجن من ثمار هذا الانفتاح إلا(العيش على الآلة المستوردة) و(والنظام السياسي الكسيح) و(التبعية وفقدان الإرادة)و(التنازل عن الحقوق), بل وفقدان السيادة , حتى على مستوى مناهجها الدراسية في داخل بلدانها. ثم إن ما يلحظ من ترحيب غربي وعربي (للخط الإصلاحي) لا ينبئ بالتأكيد عن حرص على مصلحة الشعب الإيراني , بل هو ما مؤكد خدمة مصالح الأجانب وتمدد مخططاتهم في المنطقة , بعد أن كان النظام الإسلامي القائم حاجزا دون ذلك .كثيرون ممن يعتقدون بصوابية نظرة الإمام الخميني النورانية وثاقبيتها , حين حذر أتباعه بالقول ( إذا ما أظهرت أمريكا وإسرائيل رضاهما عنكم , فعليكم أن تعيدوا النظر بمواقفكم).
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
وليد المشرفاوي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat