دولة دينية أم دولة مدنية؟
علي ناصر حسين الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي ناصر حسين الاسدي

هناك الكثير ممن يتخوف من الدولة الدينية الإسلامية، وهناك أيضا دعوات إلى فصل الدين عن الدولة، والسؤال الذي يثار دائما هو: من أين أتت هذه الدعوات؟ أكيد الجواب جاهز:ـ حينما استغل الدين من بعض المتحزبين لتحصيل المصالح الدنيوية، ومنهم أهل السياسة، تغيّر جوهر التعامل مع القضايا الانسانية، اضافة الى الاسقاطات الفكرية عن سياسة الكنيسة وجورها، ونحن كإسلاميين نرفض مثل هذا التحريف، ولا نوافق على مثل هذا التزييف الجائر؛ لأن الدين اساسا هو نظام سماوي متكامل، والعدالة لا تتحقق إلا بالنظام الديني.
إن الله أراد للإنسان أن يعمر الأرض، ويحقق فيها العدالة الاجتماعية، ويضع عن الناس إصرهم والاغلال التي كانت عليهم. لكن لماذا هذه الدعوات الى المدنية، اذا كان الدين يحقق العدالة؟، ولماذا تلك الأصوات التي تدعو الى عدم مزج الدين بالسياسة.
يطرح انصار المدنية هذا العنوان (حدود أم حقوق) متبنية المدنية يقولون: إن مزج الدين بالسياسة يعني الأخذ بالشريعة الاسلامية، وبالتالي فإنه يعني أولا تطبيق الحدود وليس ارساء الحقوق، ويروون بأن الحقوق في الاسلام شبه غائبة، إلا ان هذه الصورة مغلوطة لفكرة الدولة الدينية الاسلامية، ومن حقنا أن نسأل: ماذا حققت السياسات العلمانية للبلاد غير الحروب والسجون والمقابر الجماعية؟ وهل توصلت دولة علمانية الى ما نص به عهد الامام علي(عليه السلام) لمالك الاشتر، قال(سلام الله عليه) في كتابه له:ـ «هذا ما امر به عبد الله علي أمير المؤمنين لمالك بن حارث الأشتر في عهده اليه حين ولاه مصر لجباية خراجها: وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا، تغتنم اكلهم، فانهم صنفان إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا يدي لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته» إلى آخر خطابه.
من المؤكد أن كل هذه الأسس هي بمثابة دستور للدولة، وفق المنطق الإسلامي؛ لأن فيه أسس السلم الاجتماعي وتطبيق القانون، والعدالة والتكافل الاجتماعي وفق رؤية الاسلام.
التخويف يكون غير مبرر وغير مسند بمعنى وضع المدنية قبال الدولة الدينية، لإدخال الشك في القلوب، بأن الدولة الدينية لا تعني سلطة الفرد ولا منطق القهر ولا إلغاء دور المجتمع والمؤسسات في إدارة الأمور، وليست هي دولة الفوضى وسلب الحريات والتخلف ونهب الخيرات، بل هي دولة القانون والعدالة وحقوق الإنسان والسلم الأهلي والحداثة والعمران والتطور والتكافل، فلا نأخذ من التجارب السيئة، لأشخاص تلبسوا بلباس الدين.
وكما نرى الان كثيرا من الساسة ينظرون للدولة الدينية باعتبارها دولة العدل والسلام، وهم مثقلون بهم التطبيق؛ كونه لا يتوافق ومصالحهم ولم يطبقوا منه شيئا، وهؤلاء لا يمثلون الدين؛ كي يكونوا هم المعيار لحكومة دين ولابد النظر الى ما هو أسمى.
الدين يؤخذ من أئمة الهدى ومصابيح الدجى؛ لأنهم الأدلاء على الله وهم النبع الصافي لا شائبة فيه، وهم النجاة، وتأكيدا لمن تلبس بلباس التقوى وهو عن ذلك بعيد، والحق بين يجب ان نكون مع الصادقين ونبتعد عن الكذابين والمدلسين وطلاب الشهوة والشهرة، الذين نقلوا أسوأ صورة في حياة الشعوب.
ولو نظرنا الى حكومة سيد المتقين حينما جاءت خلافته قال (عليه السلام): «أترى هذا النعل، والله لهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقا او ادفع باطلا»، وهذا هو المعيار الحقيقي لدولة الدين.
ولهذا تخلف الكثير عنها وأسس قواعد مزيفة شيدتها سقائف المصالح الشخصية، فما ذنب الدين اذا كان الشاب لا يستطيع ان يميز بين معنى الدين الحقيقي وسعي أئمته، وراح يبني معايير الدين على أسس شيدتها سياسات الفاسدين الذين عاثوا في الارض فسادا؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat