صفحة الكاتب : ليلى الزاهر

جُثّة مُسجاة
ليلى الزاهر

بالأمس ماتت أمها؛ جلستُ بجانبها وهي تناجيها وتتحدثُ معها بحنان، إنها جثّة مُسجاة فوق المغتسل، وصديقتي تسرّها بأحاديث العشق تارة وأخرى تقطف مالذّ واستطاب من صنوف الاعتذار تودعها مسمع والدتها.

كانت تبكي على والدتها بكاء كان يتسلل لجميع من في المغتسل فنشعر جميعًا بنفسها المعذّبة وأمانيها المشرّدة، كان بكاؤها عذبًا صادقًا تتخلله مقاطع من سورة «يس» أعقبتها بسورة «الصافات».

أما قصائدها الرثائية فلا وجود لها في هذه المنعطف الحزين، وما أظنها إلا تنفرد بمشاعرها سرّا لتخرج ومضات تستأنس بها مع نفسها؛ وتتلو ذكريات والدتها شعرا يكفّر عن الشوق العارم بأعماقها، ويرفعها ساعة من الزمن فوق غيوم السماء لتسكرنا برسوم شعرية تحرز قَصَبَ السَّبْقِ في الحب وأشواقه.

لعل من الإنصاف في حق الميت البقاء معه وقتًا يسيرًا كي نزيل عنه رهْبة الرحيل إلى العالم الآخر، فالميت يشعر بوحشة تصحبه إبّان مغادرته للحياة ونزوله مسكنه الجديد لذلك علينا مرافقته والجلوس بجانبه سواءً كان في المغتسل أو كان مسجى على فراش الموت في ساعة احتضاره.

يذكر الممثل «داود حسين» أنّه جلس عند والده بعد وفاته ساعةً من الزمن بدأها بالصمت في حرم العشق والامتنان ثمّ تحدّث معه فشكره على كلّ ماقدمه له، مستعيدا شريط جميل من ذكرياتهما معا افتتحه بحدث إيصاله للمدرسة مُمسكًا بيده وهو لم يتجاوز السابعة من عمره إلى آخر حديث دار بينهما قبل دخوله في الغيبوبة وقد تخلل ذلك إصابته في عمله وحرصه على توفير جميع احتياجاته

إن فقد الآباء والأمهات مصاب جلل تتضاءل بجانبه الزلازل الكونية مهما بلغت ذبذبات مقياس ريختر، هو أعظم من مرض عضال مهما اشتدت شراسته.

قد يقول قائل:

إننا في هذا الجو المحموم بالازدحام الحياتي في كل شيء ينقصنا أن نعيش الحياة بجميع تفاصيلها مع أحبابنا ونعتق أنفسنا من مسافات البعد التي أحدثناها بإرادتنا.

أليس من الأجدر بنا أن نخلق لغة جميلة تختلف عن لغة الاعتذار في علاقتنا بأمهاتنا وآبائنا؟

‏إنّ أرقى قمم العلو أن تمسك بيد أصحاب الفضل عليك وأنت صاعد فجميع من وصلوا للقمر كانوا ينجذبون نحو الأرض.

‏وأعظم نعم الله أن يكون بجانبك من تتقاسم معه ألوان الحياة: طعامها، شرابها، صوت الماء، خيوط الشمس، قهوتك الصباحية، فرح يومك، حزن أمسك، حرفك الذي تقرأ.

وقد يقول آخر:

أحبوا أعداءكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم فهذه الدنيا لاتعادل مثقال ذرة وسير الحياة المعتاد لايتوقف أبدًا، يبدع الموت في الاختيار ونبتئس أيامًا ثم ندرك أن هذه الحياة سرعان ما تطوي صفحة من مات اليوم، نرتاد قبورهم مُلقين التحية عليهم ثم نُلملم أطراف أحزاننا ونغادرهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ليلى الزاهر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/11/11



كتابة تعليق لموضوع : جُثّة مُسجاة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net