القول العاطر في الرد على الشيخ المهاجر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
مما يدهش الفكر أن يتجرأ أدعياء العلم والمعرفة على أسياد العلم وعلماء المذهب! فينسبون لهم ما لم تقله ألسنتهم ويفهمون من كلامهم ما لا يقصدونه؛ وما ذلك إلا لقصور أفهامهم عن فهم ما أفادوه، وهذه ضريبة الجهل الذي يردي بصاحبه، أو أنهم فهموا مرامهم ولكنهم تعمدوا التدليس، وهو أسلوب متداول عند المتطفلين على العلم وأهله.
ومن مصاديق هذه الجرأة ما أثاره بعض اللندنيين -الذين يدعون الغيرة على حريم المذهب- حول عبارة للسيد الخوئي قدس سره، وتبعهم أخيراً الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر وزاد عليهم حتى خرج عن حدود الأدب والاتزان والإنصاف.
وحتى يتضح لك أخي القارئ ضحالة فكر هؤلاء وعظم جرأتهم على العلماء لابد وأن أقف معك على عبارته قدس سره، وإليك هي:
قال السيد الخوئي (قدس سره) في (فقه الشيعة) ج ٣ ص ١٣٩:
المراد بالنصب: نصب العداوة والبغضاء.. ومن هنا يُحكم بإسلام الأوليّن الغاصبين لحق أمير المؤمنين عليه السلام إسلاماً ظاهرياً، لعدم نصبهم ظاهراً عداوة أهل البيت، وإنما نازعوهم في تحصيل المقام والرئاسة العامة، مع الاعتراف بما لهم من الشأن والمنزلة، وهذا وإن كان أشد من الكفر والإلحاد حقيقة إلا أنه لا ينافي الإسلام الظاهري، ولا يوجب النجاسة المصطلحة. انتهى
ونوضّح هذه العبارة بعدة أمور:
أولها: كما هو واضح وجلي لكل عاقل منصف أنه -قدس سره- يعتبر الغاصبين لخلافة أمير المؤمنين عليه السلام والمعتدين على الصديقة الكبرى عليها السلام قد بلغوا -بحسب عدواتهم الواقعية- مرتبة أشد من الكفر والإلحاد،ومن يقول غير ذلك فقد كذب بل افترى عليه.
ثانيها: إنه قدس سره يفرّق بين العداوة الظاهرية والعداوة الواقعية، فلا مجال لإنكار العداوة الواقعية، كما أن ثبوتها لا يحقق عنوان النصب الظاهري الذي تترتب عليه أحكام النجاسة، بل الذي يحقق عنوان النصب الظاهري عنده قدس سره هو العدواة الظاهرية، وهذا هو محل كلامه؛ لأن العدواة الواقعية مفروغ من ثبوتها.
ثالثها: هل ثبت بالدليل أن القوم أظهروا العدواة في الظاهر أم لا؟ بحيث ينطبق عنوان النصب عليهم وتترتب أحكام النجاسة عليهم أيضاً؟
قد يقال نعم - كما عن سماحة آية الله العظمى السيد تقي القمي قدس سره في مباني المنهاج ج٣ ص ٢٥٠: (إذ أي عداوة أعظم من الهجوم على دار الصديقة وإحراق بابها، وضرب الطاهرة الزكية، وإسقاط ما في بطنها، وهتك حرمة مولى الثقلين، وأخذه كالأسير المأخوذ من الترك والديلم، وسوقه إلى المسجد لأخذ البيعة منه جبراً، وتهديده بالقتل؟!).
ولكن للسيد الخوئي طاب ثراه أن يمنع من دلالة هذا الأفعال -رغم شناعتها- على النصب الظاهري، وذلك لأن النصب الظاهري كما بيّنا يتقوّم بإظهار العداوة والبغض في الظاهر، وهذه الأفعال التي ساقها السيد القمي قدس سره إنما تدل على وقوع الظلم من القوم، والظلم كما أنه يمكن أن يكون مسبباً عن العداوة والبغضاء يمكن أن يكون مسبباً عن الحرص على الجاه والمنصب، والذي يثبت ويحقق عنوان النصب الظاهري هو الأول لا الثاني، وهو ما أفاد السيد الخوئي رحمه الله عدم الدليل عليه، لأن الظلم الواقع من القوم قد يكون نابعاً من حرصهم على الرئاسة لا أنه مسبب عن إظهار العداوة الظاهرية، فتفطّن وتأمّل تفهم.
ولعله بالمثال يتضح لك الأمر أكثر:
لنفترض أن هناك رئيس شركة وتحته موظف متفوق، ولتفوقه يكون مؤهلاً لشغل منصب المدير، فإنّ هذا المدير إذا كان حريصاً على منصبه قد يضطر أن يظلم الموظف بشتى أنواع الظلم للحيلولة دون وصوله للمنصب، وإن لم يكن يحمل في قلبه عداوة له، بحيث أنّ الموظف لو لم يكن مؤهلا للرئاسة، فإن المدير لن يظلمه.
وهكذا هو الحال مع أفعال القوم التي استشهد بها السيد القمي قدس سره، فإنها لا تثبت سوى الظلم، ولكن وقوع الظلم لا يلزم أن يكون مسبباً عن العداوة والبغض بل قد يكون بداعي آخر كالحرص على الرئاسة والحكم..
وعليه فإن عنوان النصب الظاهري لا يتحقق وفق كلام السيد الخوئي قده.
ولو افترضنا وفرض المحال ليس بمحال … أن أمير المؤمنين عليه السلام أعلن لخصومه تنازله عن المنصب منذ بداية الأمر، فهل سيعتدون على الزهراء وعليه عليهما السلام بمثل ما صنعوا؟
لا سبيل لإثبات ذلك بحسب الظاهر، وهذا ينبه على أن الظلم الذي وقع منهم ربما كان طمعا منهم في المنصب والرئاسة، وليس لإظهار بغضهم وعدواتهم الواقعية في الظاهر بحيث يترتب عليهم عنوان النصب وأحكام النجاسة.
وزبدة المخض: بناءً على ما بيناه فإنّ السيد الخوئي قدس سره بريء مما نسبه له هؤلاء، فإنه لا ينفي عداوة القوم ونصبهم الواقعي الذي هو أشد من الكفر والإلحاد كما يزعم هؤلاء، وإنما كلامه عن العدواة الظاهرية التي تترتب عليها أحكام النجاسة، والتي لم يقم دليل على ثبوتها عنده قدس سره.
وبهذا نختم الكلام مع هؤلاء الذين يخدعون بكلامهم البسطاء، مدعين بذلك الدفاع والغيرة على حريم المذهب، وما يخدعون إلا أنفسهم، فهل يكون حفظ المذهب والدفاع عنه بالكذب والتدليس على علمائنا الأعلام ومحاولة تسقطيهم؟! ما لكم كيف تحكمون؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم....
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat