حلية جديدة شرفها الله تعالى، لتكون قبلةً للعاشقين، يطبعون عليها شفاههم، ويقلبون عليها صفحات وجوههم، ويشمون من خلالها عبق الشهادة، ويلتمسون من قلبها النابض الشفاعة، وهي تداعب مشاعر المحبين، وهم يطرّزون بدموعهم النقية وردةً من ذلك الوفاء الذي كان ولا زال وسيبقى دائم الصلة بين العاشق والمعشوق.
حليةً جديدة صنعها المجاهدون من أضلاعهم، طلوها بلون خيوط الشمس، لتحتضن درّة من درر البيت المحمدي، ذلك البيت السامي الذي رفع اللهُ (عزّ وجل) مقامه، وأعلى قدره، فلوّح في سماء الإيمان والتقوى والورع والزهد والعلم والمعرفة والكرم والشجاعة، كشمس الضحى في وسط السماء. بيت مهبط الوحي والتنزيل الذي انتشل البشرية من بئر الجاهلية المظلم، إلى نور السعادة والخير نور الإسلام، وقد انتشر أهله في أرجاء المعمورة، ليملؤوا الأرض عدلاً وقسطاً، فقابلهم من لا يروق له ذلك بالحقد والكراهية والقتل.
واليوم، إذ نقف على باب من أبواب ذلك البيت الشريف، ونقبِّل عتبة الحرية والكرامة والإباء والتضحية لأبي الأحرار الإمام الحسين (ع)، ونكحل أعيننا بالنظر إلى الضريح المبارك، ولا أدري هل أن عيوني ستذرف دموع الحزن للمصيبة التي لاتنفك صورتها من عيني، وقصتها من فكري، وصوت عبد الزهرة الكعبي الكربلائي عن سمعي، أم ستكون الدموع هي دموع الفرح لتلك الحلية الجديدة التي صاغها الخيّرون من أضلاعهم؟
وماذا سنحمل نحن أتباع ريحانة رسول الله (ص)، حيث بات من المألوف بل من الواجب علينا أن نحمل ما نحمله... فنطرق الباب ونقدم التهنئة، ونقول أحسن ما نقول لصاحب البيت، لما لذلك الأمر من تقليد ولديمومة العلاقة والود.
وما علينا اليوم نحن شيعة ثالث أئمة أهل البيت الطاهرين (ع)، وثاني سبطي رسول الله (ص)، وسيد شباب أهل الجنة، ما علينا إلا أن نتقدم بحمل شيء يليق بمقامه الكريم، وقد نبضت قلوبنا وكادت أن تخرج لتكون تاجاً يعلو تلك الأضلاع التي سبقتنا لها تلك الثلة الخيرة التي بذلت الجهود المضنية، حرصاً منها على إبراز جمالية وروعة مرقد خامس أصحاب الكساء الذين أذهب اللهُ عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ومن القربى الذين أمر الله بمودتهم، وأحد الثقلين الذين من تمسك بهما نجا، ومن تخلف عنهما هلك وهوى، والذي تجلت بشهادته المعاني السامية، أولها إعلاء (كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله)، بعد أن تعرضت الأمة الاسلامية لحياة حفلت بالمصاعب، نتيجةً سيطرة الحكم الأموي الجاهلي، حتى جعلتهم في مأزق جديد لم يجدوا له نظيراً من قبل، فكان الإمام الحسين (ع) هو الشخصية الاسلامية الرسالية التي استطاعت أن تخلص أمة محمد (ص) خاصة، والإنسانية عامة من براثن هذه الجاهلية الجديدة.
ولا يخفى على اتباع هذا الامام الهمام، أنه كان في جميع مراحل حياته ومواقفه مثالاً للإنسان الرسالي الكامل، وتجسيداً حياً للخلق النبوي الرفيع في الصبر على الأذى في ذات الله، والسماحة والجود والرحمة والشجاعة والإباء والعرفان والتعبد والخشية لله، والتواضع للحق، والثورة على الباطل، ورمزاً شامخاً للبطولة والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسوة مثلى للإيثار والتضحية لإحياء المثل العليا التي اجتمعت في شريعة جده سيد المرسلين، حتى قال عنه جده المصطفى (ص): (حسين مني وأنا من حسين)، معبراً بذلك أبلغ التعبير عن سمو هذه الشخصية العظيمة التي ولدها (ص)، ورباها بيديه الكريمتين.
وأخيراً، أعود وأقول: ماذا أقدم بعد قلبي الذي صار مع قلوب الموالين تاجاً لذلك الضريح، أم روحي التي فارقتني وسكنت الى جوار الحسين وأنا اتبسم وأقول له:
خذها إليك فاني الآن اعتذر * الدرّ أنت ومنك السادة الدرر
لبيك ياحسين...
وما التوفيق إلا من عند الله العلي العظيم
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat