في جريدة البينة الجديدة نقرأ عن النصّ المفتوح: (هو النصّ الذي يستفيد من كل تقنيات الأجناس الأدبية والفنية، ويستفيد من أي ومضة أو لمحة من ومضات التفكير، ويستفيد أيضاً من الواقع، ومن متغيراته، وذلك أن هذا النص هو وريث التطورات والمنجزات في مجال الأدب والثقافة)، وفي السياق نفسه يؤكد الباحث بأن من (يكتب النص المفتوح هو مثقف مدرك بما ينفتح عليه، ويتفاعل معه، وأن يكون خبيراً عارفاً متمرساً يضع الشيء في موقعه المناسب)، ويؤكد بأننا (بحاجة إلى مثل هذا النص لكي نستوعب ونجسد ما ورثنا من انجازات أدبية وفنية في نصوصنا المعاصرة، ولكي يحضر فيها تراثنا الأدبي والفني، ولكي نتيح لمنجزات العصور السابقة حضورها في عصرنا الراهن، وهذا ما نطمح إليه)، وللكاتب محمود النمر رأي في الموضوع إذ يقول: (النص المفتوح هو جنس أدبي متطور في الرؤى والأفكار، وهو كتابة تزحزح الرتابة التي هيمنت على الأجناس الأدبية، وتخترق الأرواح الصدئة، ولا تستيقظ على كلمات عرجاء، أخذت فرصتها على مر القرون من الزمن الغابر، إذ هي عملية خلق منفلت جاءت نتيجة حتمية في تطور الجنس الأدبي...، فالنص المفتوح: جنس غير محدد، وهو قفزة على جميع الأجناس الشعرية والسردية من دون أن تمنح نفسها لهذه الأجناس).
من هنا يمكن لي أن أصفَ الشعراء الذين أقدموا على كتابة هذا الشكل الجديد بنفس الصفة التي تمثل بها الرواد في التجديد الشعري العربي، (أن الشعر عندهم هو تلك (المادة الخفية) (الجوهر الفكري) الذي يسكن تراكيب اللغة؛ ليقدم ما هو مثير للقارئ، مذهل وغريب، وأن الموسيقى ما هي إلا (العارض) وغير الجوهري للفكرة الشعرية)، ولعل أبرز ما يتمثل به النص المفتوح، هو ذلك التداخل بين الشعر والفنون الأخرى، وقد حفل الشعر العراقي الحديث بنماذج كثيرة من هذا التداخل، وإن قصرت به عن الولوج في ظاهرة النص المفتوح بشكله الخاضع للدراسة الحالية، (لقد حفلت الشعرية العراقية الحديثة ببروز ظواهر فنية متعددة، ولعل تداخل البنى السردية مع البناء الفني للقصيدة أشدَّها إثارة للانتباه، وقد تجسّد ذلك بناءً واستثماراً للعناصر والتقنيات بصفة تكاد أن تكون تكاملية، على أن وجود عنصر واحد أو أكثر من عناصر السرد في النص الشعري ليس دليلاً كافياً على تبني النص تداخلا سرديا ضمن مقاصده)، وفي مكان آخر نقرأ: (إن احتمالات انفتاح النص الحديث لم تكن محدودة أو رهينة محال دون آخر، على الرغم من وجود التفاوت بين مستوى وطبيعة التداخلات رؤية وبناء، مما يجعل النص مرنا في احتواء الثيمات والأشكال المختلفة، وإعادة إنتاجها في ضوء رؤيتها في ما يتساوق وطبيعة بنائه). وأعود من جديد لأخذ بعض الرؤى في النص المفتوح الذي يتسم كما في نظر أحد الباحثين (باللاشكل، أي أنه يجمع في تكوينه بنى شعرية وسردية، وينفتح على المعرفي والتشكيلي، كما يلتحم فيه الملحمي داخل المسرحي، والأسطوري بالواقعي، والفنتازي بالطبيعي، والسيرة الذاتية بالغيرية، والخاص بالعام، والسلطوي بالشعبي)، في جدل كتابي يسعى لتوليد: نص جديد (يتنكر لأصوله، أو يغيبها كمزايا فنية)، ولكننا نتساءل هل هذا يؤهله لأن يستقل بوصفه جنساً أدبياً، أم تبقى الغلبة للمهيمن الاجناسي في النص المكتوب، إننا نميل مع الباحث إلى هذا الرأي مع إقرارنا معه (بأن التداخل الاجناسي - يغير بالضرورة بنيه النص، ويفضي به إلى شكل شعري جديد، لتكن تسميته الكتابة، أو النص أو اللاشكل الشعري)، فليس ذلك يكون بذي قيمة كبيرة بحسب رأيه، وإن كنا(لا نلمس شكلاً بنائياً محدوداً يتيح لنا دراسته وتهيئة ملامحه الدالة، فأن هذا لا يعني إقصاءه عن متن الدراسة).
يخرج هذا الباحث بعد ذلك بمقولة مفادها: (أن النص المفتوح بنية هلامية تتحد في زمن كتابة، ولا يمكن تشخيصها بدقة إلا من خلال معطيات الكتابة المتفاوتة أصلاً في مستوياتها، وتجربتها من شاعر إلى آخر، بل عند الشاعر نفسه)، وأستطيع القول من خلال هذه الجولة: إنّ النص المفتوح لا يزال يقع في أرض يحيط بها الضباب، أو أن الذين مارسوا كتابته أرادوا له أن يبقى هكذا عصياً على الدخول تحت المقاسات السنتمترية، فهو لم يتخذ شكلاً محدداً، بل على العكس هو ثورة اللاشكل، وهو لا يزال في منطقة التجريب على القصة والرواية والقصيدة، ويلاقي معارضة من هنا وهناك شأنه شأن كل جديد، ولعل أفضل تفسير للأمر: هو أن هذا الشكل الإبداعي قد يكون جاء مضافاً إلى التفسيرات المتقدمة، متساوقاً مع الفوضى التي اجتاحت الفكر الإنساني بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي تقوم على الكفر بالكثير من الثوابت بما في ذلك: الثوابت اللغوية، والأدبية، وعناصر التعبير الإبداعي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat