نحو مسرح حسيني إسلامي ( الحلقة الرابعة )
عبد الرزاق عبد الكريم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الرزاق عبد الكريم

من المعلوم أن هذا التصور الإسلامي للمسرح بلا ريب قد استمد من النصوص الدينية والأدبية، ومن الكتابات الدرامية والعروض المسرحية ذات البعد الفني والجمالي والإبداعي، ويعني هذا مدى ارتباطها بالممارسة وصفاً وتفسيراً وتقعيداً وتنظيراً، أي لم تقم هذه التي بين يدي القارئ على الفراغ والهوس والجنون والتخييل المجاني والتنبؤ الارتجالي، بل كانت ممارسة مسرحية اسلامية اعتمدت على العديد من المسرحيات الهادفة، سواء أكانت عربية إسلامية أم كانت عالمية إنسانية.
ومن ثم، يمكن الإشارة إلى العديد من المسرحيات الإسلامية الهادفة التي انطلقت من التصور الإسلامي: كمسرحيات علي أحمد باكثير، كما في مسرحيته (حب الغسيل)، ومسرحية (الدنيا فوضى)، ومسرحيات مصطفى محمود: كمسرحية (الشيطان يسكن بيتنا)، ومسرحيات محمود دياب: كما في مسرحيته (باب الفتوح)، ومسرحيات عبد الرحمن الشرقاوي: كمسرحية (الحسين ثائرا) و(الحسين شهيدا)، ومسرحيات الدكتور عماد الدين خليل: كمسرحية (المأسورون)، ومسرحية (الشمس والدنس)، ومسرحية (معجزة في الضفة الغربية)، ومسرحيات محمد المنتصر الريسوني: كمسرحية (أعراس الشهادة في موسم الشنق)، ومسرحيات علي الصقلي: كمسرحية (الفتح الأكبر)، ومسرحية (المعركة الكبرى)، ومسرحية (أبطال الحجارة)، ومسرحيات محمد الحلوي: كمسرحية (أنوال)، ومسرحية (عام الفيل) لعبد الجبار المطلبي، ومسرحية (يوسف الصديق) لسليمان الصائغ، ومسرحية (أهل الكهف) ليوسف وهبي، ومسرحية (الحسين) للسيد محمد رضا شرف الدين، وهي أولى المسرحيات التي تحكي واقعة الطف كتبت عام 1934م، ومسرحيات محمد علي الخفاجي منها: (ثانية يجيء الحسين)، ومسرحيات رضا الخفاجي منها: (صوت الحر الرياحي) وغيرها الكثير...
وهكذا نقول بأن بدايات التنظير للمسرح الإسلامي يقوم على مجموعة من المرجعيات النصية والفنية والإبداعية، وهي تتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأحاديث أئمة أهل البيت (ع) والإبداعات المسرحية الإسلامية.
نستنتج مما سبق ذكره، بأن أهم ما يمكن الحديث عنه في المسرح الإسلامي هو المضمون الذي يتميز بالخصوصية والفرادة والتميز؛ لأنه مضمون نابع من الشريعة الإسلامية، والهدي النبوي الشريف، وأحاديث أهل البيت البررة، ويتناقض هذا المضمون فعلاً مع كل الفلسفات الفنية الغربية الموغلة في التجريد والترميز والإباحية والعبثية والتيه والضلال، والتي تعبر عن ذلك الإنسان الغربي الباحث بجدية وهوس شديدين عن ماديات الدنيا الفانية.
أما الأشكال الفنية والجمالية والتجارب الإخراجية، فيمكن الاستفادة منها قدر الإمكان، مادامت تجارب عالمية وإنسانية لا تتعارض مفاهيمها النظرية والتطبيقية مع القيم الإسلامية. ويقول الدكتور عماد الدين خليل في هذا السياق: وفرصة الاختيار المطروحة أمام الفنان المسلم الملتزم، إذن، هي أن يقبل المسرح كشكل فني، وأن يرفض المضمون... والإسلام لم يقف يوما إزاء الأشكال، لا في ميدان الحكم والإدارة، ولا في ميدان الاقتصاد والاجتماع، ولا في ميدان الآداب والفنون، على العكس- هو علمنا - أن الأشكال قضية ديناميكية لا يقر لها قرار، وتكنيك متحرك لا يقف عند حد، إلا لتجاوزه إلى حدود أُخَر... ومن ثم، فإن التشبث بالشكل الواحد عبر العصور هو مناقض لطبيعة الأشياء. والإسلام يرفض من الأشكال فقط تلك التي ترتبط عضوياً بمضامينها، وأصبح من الصعب فصل إحداها عن الأخرى، وإلا تعرضتا للقتل، أو أخرجنا المتشبثين بهما عن قواعدهم العقائدية الأصيلة.
أشكال فكرية أو عقائدية من هذا النوع، دعا الإسلام إلى رفضها، والاستعلاء عليها، وعلى ما تبشر به من مضامين، صوب أشكال ابتكرها الإسلام نفسه، وربطها ربطاً حيويا بقيمه وأهدافه.
وهكذا، نصل إلى أن المسرح الإسلامي سيكون بلا محالة هو مسرح المستقبل، مادام ذلك المسرح يرتكز في مبادئه السمحة على تنوير الإنسان تنويراً عقائدياً وتوعيته أخلاقياً، وبنائه حضارياً على ضوء الشريعة الإسلامية والعقيدة النيرة السليمة والصحيحة.
وكل مسرح يقوم في المقابل على نشر فلسفة العبث واللاجدوى، ويسعى إلى التجريد المجاني، ويستهدف تشجيع الرذيلة، وإباحة الفساد، والاستهتار بالقيم الأخلاقية والدينية، فإنه بلا شك ولا ريب مسرح زائل سيؤول يوماً إلى الفشل والفناء والانقراض.
المصــادر والمراجـــع:
• الدكتور جميل حمداوي - من أجل نظرية مسرحية إسلامية جديدة.
• احمد ظريف - فلسفة التجاذب في الفن المسرحي.
• حكمت صالح - نحو مسرح إسلامي معاصر.
• عمر محمد الطالب - ملامح المسرحية العربية الإسلامية.
• محمد عزيزة - الإسلام والمسرح.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat