صفحة الكاتب : ابراهيم العبادي

تشكيل الوعي الانتخابي في العراق
ابراهيم العبادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يبرع العراقيون كثيرا في توصيف وتفكيك مشكلات بلادهم ،فائض كبير من الدراسات والمقالات والندوات يتوازى مع حديث شعبي متواصل من الشكوى وربط النتائج بالاسباب ،كم قليل جدا من الافكار والرؤى التي انتقلت من عالم الكشف الى عالم المعالجات والحلول ،سبب ذلك هو الاستغراق في الجدل والضياع في متاهة الاسباب الداخلية والخارجية ،والاختلاف الشديد في ترتيب الاولويات .
اعتاد العقل الثقافي العربي مقاربة المشكلات الراهنة مقاربة ثقافية ،فهو يبحث عن جذور الفشل والاخفاق والعنف والتخلف والتعصب في منظومة الفكر والثقافة التي تشكل العقل السياسي ،اسماء بارزة في فضاء الثقافة العربية ركزت كثيرا على دور التاريخ والعقائد والافكار والفلسفات والفقه والاخلاق ،في ايصال العرب وكثير من المسلمين الى واقعهم البائس ،المدرسة المغاربية برموزها الكبيرة ، محمد اركون ،محمد عابد الجابري ،عبدالله العروي ،عبدالاله بلقزيز ،عبدالمجيد الشرفي هشام جعيط واسماء كبيرة اخرى ،مضافا اليهم كبار المثقفين المصريين والشاميين  على تفاوتات في المنهج والمقاربات ،لكن الحصيلة النهائية تجمع على ان سبب تعثر مسارات النهوض وفشل الدولة وتأزم المجتمعات واخفاق التحديث ،تعود كلها الى اسباب ثقافية يجمعها مصطلح اللاشعور السياسي الذي اقترحه الجابري مستعيرا احد اهم مبادي مدرسة التحليل النفسي الفرويدية وربما مستفيدا ايضا من مفهوم اللاوعي الجمعي لعالم النفس الكبير كارل يونغ(1875-1961).
الراصد لانتقالات  الازمة الشاملة من مظهر سياسي الى جوهر اقتصادي الى تصدع اجتماعي، وضمور فكري وثقافي يتفق مع هذه المدرسة كثيرا  في ان للازمة جذر ثقافي -معرفي -فلسفي ،لاشك ،غير ان استمرار الدوران والحفر المعرفي حول هذه القضية دون تجاوزها، يشي هو الاخر بمشكلة معرفية اعمق ،فاذا عجز عقلنا السياسي الذي تشكله مصفوفة عوامل وقنوات متعددة  ،عن اجتراح الحلول ،لسبب منهجي واخر اجتماعي،  وثالث متعلق بطبيعة العلاقة بين الفرد والدولة،  وبين الدولة والدين في حياتنا ،فلااقل لانعدم التوجه الى الجمهور مباشرة ،  عل تظافر المشكلات والازمات الحياتية تضطره الى التفكير خارج الصندوق ،فلايعقل ان نرى اتجاه الدولة الى اللادولة ،والمجتمع الى جماعات متعادية ،والاقتصاد الكلي الى نمط الدولة الخراجية ،ويستمر تفكير الزعامات والاحزاب والكتل والجمهور الواسع بذات الطريقة،  وبنفس المزاج العصابي ،لابد اذن من اعادة تشكيل عقل المواطن ،فهو الذي يعيد تنصيب الحاكمين والمتحكمين بالسلطات ،وهو الذي يمنحهم المشروعية للحكم باليات الديمقراطية الشكلية ،وهو الذي يشتمهم ويتظاهر ضدهم ويحتج عليهم ،فيما هم يحسنون  المتاجرة بأسم المواطن الفقير ويتظاهرون بالدفاع عن حقوقه ومصالحه ،وهم الذين يقدمون انفسهم حراسا للعقيدة والمذهب والمصلحة والمستقبل ،انها حلقة متواصلة لم تكسرها موجات  النقد والسخرية والتهكم والتبكيت المستمر .
لاجل بناء وعي انتخابي ،يعيد هندسة السلطات وفق منظورات تغييرية هدفها الدولة المقتدرة كما يدعوها الرئيس برهم صالح ،لامناص من ثقافة ايجابية تركز على البدائل والحلول ،صحيح ان هناك من جعل تنقيح الدستور واعادة كتابته مدخلا للحل ،وهناك من دعا الى تطبيق قانون الاحزاب ،واخرون دعوا الى جدولة اسباب المشكلات للتعامل معها بحزمة حلول ،لكن المؤشرات تقول ،ان الطبقة السياسية عازمة على التمسك بالسلطة واعادة انتاج ذاتها بقليل من تغيير الوجوه ،اما الحديث عن حلول للازمات ومعالجة داء الدولة العضال ،فلا يتحدث به غير نفر من الباحثين والناشطين والكتاب ،عدا ذلك تنهمك الزعامات في تحشيد كتلها الحزبية الشعبوية للعودة الى الامساك بالسلطة دونما رؤية تتضمن خريطة طريق لمعالجة الانسداد السياسي والعطل الاقتصادي والخدماتي ،والشلل الاداري والقانوني .
يساهم الاعلام الحزبي ومنطق الصراع بين مشاريع الايديولوجيات الدينية والسياسية في تعطيل ولادة الوعي الجديد او في تاخير تمظهره عمليا ،فالفضاء العام مُستهلك بعناوين وخطابات ضجة يومية  تغطي على جوهر المشكلة ،  وتبعد التصورات الجادة لمعالجتها ،مشكلة العراق هي الفشل في بناء دولة الامة ،وتوحد الفاعلين السياسيين على التمسك بمواقعهم ،  لانها غنيمة سياسية تغطيها العقائد المُسوقة،  وتدفع اليها عقلية القبيلة المسورة بالعصبية الاجتماعية  والحمية المذهبية ،دولة العراق العتيدة تحتاج الى مقاربة جديدة كي تولد من جديد وفق منظور الدولة الحديثة ،دولة القانون والمؤسسات والمواطن الحر،  وليس دولة المذاهب والاديان والاحزاب ، التي تحرص على آخرة الافراد وليس على دنياهم ،أو الاحزاب التي تسرق دنيا المواطن بأسم مناكفة الاصولية والدينية الشعبوية ،كلاهما يعملان ضد الفرد والدولة .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابراهيم العبادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/28



كتابة تعليق لموضوع : تشكيل الوعي الانتخابي في العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net