الشناشيل الحلية تراث معماري ج2
يوسف محمد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تعد الشناشيل موروثاحضاريا ذا طابع متميز وفريد منذ أولى الحضارات على أرض العراق ومنها السومرية، والأكدية، والبابلية، والأشورية مروراً بعصر صدر الإسلام، والعصرين الأموي والعباسي، وبعدهم عصر الدولة العثمانية. فكانت هذه العصور بداية الانتقال إلى العصور الحديثة والتنوع العمراني الحالي؛ حيث مزايا الأبنية تعكس الواقع العراقي والحلي بالذات، من زخرفة الخشب الخاص بالشناشيل، وهي هواية الحرفيين القدامى الحليين، وغير الحليين الذين كانوا يعملون من الخشب الخاص القادم إلى العراق من الهند، وأن الزخرفة على الخشب أو الشناشيل هي صنعة بغدادية الأصل، وانتقلت إلى مدن العراق كافة، ومنها إلى الحلة، ومن ثم وصلت هذه الصناعة إلى دول المغرب العربي والشام قبل أن تترك بصماتها على أبنية في اسبانيا الآن، وأهم ما يميز هذه الصناعة هو الذوق والتفنن وعشق الصنعة، واختيار دقة الأبعاد للشناشيل والأبواب والشبابيك والشرفات، إضافة إلى معرفة اتجاهات الريح الداخلة والخارجة إلى الدار.
 وطبعاً ليس هناك شبابيك مستقلة أو أبواب مستقلة هناك فقط امتدادات متكاملة من الخشب مثل البيوت الأوربية تعمد صناعتها على مهارات (الأسطوات) فيخرج منها الباب والشباك والشرفة تاركاً فسيفساءه تبهر أنظار المارة والسياح... فأن البيوت التراثية في الحلة كثيرة، وهي دليل على قدرة البناء العراقي الجمالية، ومازال هذا البيت التراثي يتحدى الزمن رغم الظروف التي مرت بالعراق منها مناخية أو حرفية أو حربية أو غيرها من التوسعات العمرانية؛ فأنها بقيت صامدة من أجل البقاء رغم التحول الذي جرى الآن من تأجيرها أو بيعها إلى العيادات للأطباء أو مقرات لبعض منظمات المجتمع المدني وغيره، وبعض البيوت الأثرية ذات الشناشيل الجميلة أصبحت الآن مهملة ومتروكة، وقسم منها يكون مقرا لرمي نفايات المنطقة التي فيها هذه البيوتات الأثرية، وهذا من المؤسف جداً. 
وهنا لابد من الاهتمام على إدامة ما تبقى وهو كثير من هذه التحف التراثية في الحلة، والمحافظة على مناظر هذه الشناشيل المنتشرة في الحلة من قبل الدوائر الحكومية المختصة، ومن قبل هيئة التحديث والآثار ليبقى رصيد الحلة الأثري والحضاري والسياحي مستمرا تتوارثه الأجيال للمحافظة عليه وإعادة عمرانه.
  إن مدينة الحلة الفيحاء التراثية سميت بهذا الاسم لأنها كانت مقراً للحوزة الدينية والعلمية والفنية والأدبية لعدة عقود بعد أن كانت في الكوفة، ومن ثم في النجف الأشرف التي تعرف آنذاك بمدرسة الطوسي (قدس سره).ومدينة الحلة هي مدينة العلماء؛ لأنه يوجد داخل مدينة الحلة وأزقتها مراقد (360) عالماً مدفونا على أرضها، وأكثرهم تخرجوا من مدارس الحوزة العلمية في الحلة، فإن الوقف الشيعي ومديرية المزارات وبعض المحسنين اهتموا بإعادة بناء هذه المراقد بشكل جميل يليق بمكانه هؤلاء العلماء الأجلاء.
  إن مدينة الحلة العريقة على مر التاريخ مليئة بالتراث القديم، وأن من أبرز ملامحها التراثية المتمثلة بالعمارة الحلية وشناشيلها المطلة على أزقة الطرق، واجتهدت الحلة بالتراث الشعبي والصناعات الحرفية القديمة مثل الحياكة والفخار والمهن اليدوية الأخريات، والفنون الجميلة والعلوم الأخر،وقد بدأت جامعة بابل وهيئة إحياء التراث في بابل بالاهتمام بهذا التراث المعماري، وتوثيق المباني التراثية، فمنها مبانٍ سكنية، ودينية، وخدمية، والتي حافظت إلى الآن على تواصلها الحضاري من خلال الملامح التراثية المتمثلة فيها على الرغم من مستجدات العصر الحاضر، وطغيان الطراز الجديد العالمي في العمارة، فأصبح هذه الانجاز التراثي محصورا بأماكن محددة في الحلة، وأصبح فاصلا بين التراث والمعاصرة،فيمكن إعادة بنائه، وجعله تراثا فنيا يحملمميزات البيت الحلي، واستخدامه مسرحاً مستعرضاً مثلما يحدث في تجارب المسارح العالمية.
ويجب وضع المناهج والمخططات لإدامة التراث الحلي بفروعه جميعها، تحت رعاية المحافظة ومجلسها، وهيئة إحياء التراث،بالتعاون مع جامعة بابل ومديرية التخطيط العمراني، وبلدية الحلة لاستمرارية هذا التراث الجميل، وإيصاله إلى الأجيال القادمة. إضافة إلى نجاح دور السياحة عند وصول الزائرين إلى محافظة بابل، وتعريفهم بهذا الإعمار التراثي الجميل، ورؤية الشناشيل الحلية المتدلية بين كل فروع الأزقة القديمة في الحلة، وهي جميلة بطرازها وزخرفتها، وتلون زجاجها الخارجي، وطريقة توزيعها بين الدور، والتقاط الصور التذكارية لهذا المعمار القديم الجميل.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يوسف محمد

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/09



كتابة تعليق لموضوع : الشناشيل الحلية تراث معماري ج2
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net