تمشي على استحياء..
الشيخ علي السعيدي
الشيخ علي السعيدي
بعد عقد قِرانهما، أطفأ (الموتُ) و(الحياةُ) شمعةَ يأسِهما الكبيرة بنفخةٍ واحدة..! وبعد أن تفرق جميع المدعويين، ولم يبقَ منهم إلا عدد أصابع المصير الواحد -فقد كانوا أكثر من رصاص شواجير المنايا- حدث أمرٌ مثيٌر وخطيرٌ..!
أمرٌ جعل بنات القدر تتبادل الهمس الوجلي.. فالموت كان يقف في إحدى زوايا العمر مرتعداً.. قد اصفرَّ وجهه (الأصفر)، والحتوفُ تُهدِّئ من روعه، وهي بعباءة الحيرة ملتحفة، وبنعلَي الارتباك ماشية..
أجل، مع كل هذا الاحتدام بين كل المتآلفات والمتخالفات.. بين كل المتوافقات والمتفارقات.. صال صولة العرس الأبدي.. ابن التسع عشرة (أهزوجة)، وإلى جنبه رفيقه الوحيد، وهو أصغر ظلاله..
فالشمسُ في كبَدِ السماءِ مريضةٌ ... والأرضُ واجفةٌ تكادُ تمورُ
وهما يركضان باتجاه عدوهما.. وهو يحدّث ذلك الرفيق قائلاً: لِـمَ تركض تحت قدميَّ يا رفيقي؟! لو خرجتَ قليلاً لأُحدّثُك عن هواجسي.. أخشى -يا صاحبي- إن حدّثتُ نفسي أن يُقال عني مجنون..!!
كانت الكلمات بالكاد تصل إلى صاحبه.. فوَقْعُ خُطاه -المتسارعة- يحول دون ذلك، وهو لا يكاد يسحب (أنفاسه) المناط بها ديمومة الحياة، والإعانة على الركض، وتحمّل الأثقال التي على كاهله، وحديثُ مستقبله المجهول -في آنٍ واحد- قال: إنّ أمي تقول لي دائماً: متى تكبر لأفرح بك يا ولدي لأراك ببدلة زفافك؟!
فقلت لها: في هذه الإجازة الأخيرة -إذا رجعتُ- زوّجيني وزُفّيني ولو ببدلتي المرقّطة هذه..!
آه.. آه يا صاحبي.. تُرى ماذا سيكون لون بدلة عرسي؟.. وأين سيكون يا تُرى؟.. لا بد أن أهتم وأعتني بكل هذه التفاصيل، فربما يكون ذلك مرةً واحدة في حياة الإنسان، فمتى سيكون عرسي؟!.
(عرسي).. لقد كانت هذه الكلمة الأخيرة التي لفظها قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة!.. فبعد أن كانت بندقيته (تزغرد) في يمينه لحديث العرس، وبعد كلامه الطويل عن (الـمَنِـيّـةِ) و(الـمُنَى) "...جَاءَتْهُ إِحدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ" قد اضطرب قلبُها، واحمرّ وجهُها من حُمرة دمه النازف.. من قلبه النابض الواقف..!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat