اليأس ودلالته النفسية عند الأنبياء (عليهم السلام)
د . خديجة حسن علي القصير
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . خديجة حسن علي القصير

اليأس هو: القنوط، وقيل: اليأس نقيض الرجاء أو قطع الأمل، يئس من الشيء ييأس وييئس؛ والمصدر اليأس واليأسة واليأس، وقد استيأس وأيأسته وإنه ليائس ويئس ويؤوس ويؤس، والجمع يؤوس(1).
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): (الفقيه حقّ الفقيه: من لم يقنّط النّاس من رحمة الله، ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمّنهم من عذاب الله)(2). أما اصطلاحاً، فقد عرف الراغب الاصفهاني اليأس بأنه انتفاء الطمع(3).
واليأس قيد ثقيل، يمنع صاحبه من حرية الحركة، فيقبع في مكانه غير قادر على العمل والاجتهاد لتغيير واقعه؛ بسبب سيطرة اليأس على نفسه، وتشاؤمه من كل ما هو قادم، قد ساء ظنه بربه، وضعف توكله عليه، وانقطع رجاؤه عن تحقيق مراده(4).
ولما كان الأنبياء هم خلاصة الجنس البشري، ونموذج العنصر الإنساني، فقد تفاعلوا مع الأحداث والوقائع التي واجهوها أو واجهتهم بانفعالات وأحاسيس نفسية، تركت آثارها في مسيره دعوتهم: كالغضب أو اليأس أو الندم والخوف وغيرها.
أما نفسياً، فقد عرف عالم النفس (بيك) اليأس على انه حاله وجدانية، تبعث على الكآبة، وتتسم بتوقعات الفرد السلبية نحو الحياة والمستقبل وخيبه الأمل أو التعاسة وتعميم ذلك الفشل في كل محاولة.
وينقسم اليأس إلى ثلاثة أبعاد هي: الاتجاه السلبي نحو الذات، والاتجاه السلبي نحو الحاضر، والاتجاه السلبي نحو المستقبل(5).
اليأس في القرآن الكريم:
وردت كلمة يأس في القران الكريم في تسع سور على اختلاف صيغها ومشتقاتها حيث وردت ثلاث عشرة مرة في إحدى عشرة آية من آيات القرآن الكريم، ومنها ما يأتي:
سوره المائدة الآية/ 3: ((اليَومَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ..)).
سورة الطلاق: الآية/4: ((وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ..)).
سورة العنكبوت: الآية 29: ((أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ...)).
سورة الممتحنة: الآية 13: ((لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ ..)).
سورة يوسف: الآية 87: ((وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ..)).
اليأس عند الأنبياء (عليهم السلام):
لاشك أن الأنبياء (عليهم السلام) عاشوا مرحلة صعبة وشاقة عند دعوة اقوامهم، تمثلت بطول البلاء، وتأخر النصر، وطغيان الظلم والكفر، ولكن الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) لم يصلوا إلى مرحلة اليأس وحاشاهم، ممكن أن يكونوا يئسوا من إيمان أقوامهم، وممكن أن يكون أتباعهم قد يئسوا من تحقق وعد الله لأنبيائه، وممكن أن يكون الأتباع قد شكوا بصدق أنبيائهم، ويئسوا من أقوالهم، ولكن من غير الممكن أن يخطر ببال نبي من الأنبياء أن الله سبحانه وتعالى لن يحقق وعده أو انه سبحانه وتعالى لن ينصر نبيه؛ لأن الله سبحانه وتعالى رحيم قد شملت رحمته العالم بأسره، فلابد أن يبعث الانبياء والرسل لتربية النفوس والدعوة الى الرشد والتكامل البشري.
وعلى كل حال، فالأنبياء لم ييأسوا جراء مخالفة هؤلاء القوم الضالين، ولم يضعفوا.(6). ومما يؤيد ذلك، أن القرآن الكريم عرض لنا مواقف صعبة مر بها أنبياء الله (عليهم أفضل الصلاة والسلام) كان اليأس من رحمه الله هو النهاية المتوقعة في مثل هذه المواقف لغيرهم من البشر، وخير مثال على ذلك نبي الله يعقوب(عليه السلام)، عندما فقد ابنه يوسف (عليه السلام)، فعندما جاءه خبر نعي يوسف، قابل قدر الله النازل بالصبر والاستعانة والحلم والاستكانة بالهم سبحانه وتعالى، حيث قال: ((بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)) سورة يوسف: الآية 18.
وفي هذا درس عظيم لترك اليأس وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، ولما عظمت المصيبة بفقد ابنه الثاني، ازداد صبره وعظم رجاؤه في الفرج من الله سبحانه، فقال لأبنائه: ((بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) سورة يوسف: الآية 83.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
(1) (ابن منظور، محمد بن ابي الكرم ( ت:711هـ)، لسان العرب، ط3، دار صادر، بيروت، 1414 هـ،ج6، ص259).
(2) (الكليني، محمد بن يعقوب(ت 329هـ)، الكافي، تحقيق: علي أكبر غفاري، دار الكتب الاسلامية، طهران، بلات، ج1/ ص36).
(3) (أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502هـ)، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، دار القلم، بيروت، 1412هـ، ج1/ ص 892).
(4) (العضيدان، سلوى، هكذا هزموا اليأس، ص7).
(5) (ارون بيك، العلاج المعرفي والاضطرابات الانفعالية، ترجمة: عادل مصطفى، دار الافاق العربية، القاهرة، 2000، ص55).
(6) (الشيرازي، ناصر مكارم، الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، طهران، بلا ت، ج14/ ص 152).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat