المحكمة الاتحادية العليا... نزاع الفلسفات. (1)
حيدر زوير
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حيدر زوير

أَعادتْ الخلافات حَولَ فقراتِ مَشروعِ قانون المحكمةِ الاتحاديّة الجدلَ حول فلسفةِ دولة مَابَعد العام2003. وعلى الرغمِ مِن أنَّ 2003 صَارتْ كَأنَها مُسلّمة لثنائيّةِ " ماقبلَ وما بعدَ" وهو تسليمٌ مُبالغ فيه ويشتملُ على خللِ في ادراكِ البُنى الفاعلة اجتماعياً وسياسياً. فضلا عن مايتعلق بالابعادِ الظاهرة ومنها القانونية.
ليست الاشارة الى ماقبل ومابعد تعليقاً عابرا على مقولةٍ شائعةٍ، بل هي تمثلُ صُلبَ موضوعِ فلسفةِ الدولة سواءً الراهنة أو في أيِ وقتٍ مَضى، ففي العراق لم تقم دولة من الاساسِ بِالمَعنى الحداثي للدولةِ ليَتُم الخوض في تحديدِ فَلسفتِها، فكل ما جرى عِبر قرنٍ من الزمان، هو نزاعٌ مابين فلسفات للهوياتِ التي تُشكل تسامحاً روح الشعب العراقي، ومن غيرِ الخوض في تأريخِ هذا النزاع وفي احايين الصراع، فيكفي أن الخلافات حول فقرات مشروع قانون المحكمة الدستورية العليا تكشفه وتعبر عن محطة منه.
عِندَ كِتابة الدستور العراقي 2005، ضُمِنت المادة 92 منهُ على أن المحكمةَ الإتحادية تتكون من خبراء بالفقهِ الاسلامي بالاضافة الى الفقهاء بالقانون، وهو نزوعٌ فج لإسلمةِ أعلى مؤسسةٍ قضائية في الدولة، فمخالفة احكام الاسلام هي مادةٌ دستوريّة على جميعِ العاملين في مؤسساتِ الدولةِ أن يلتزموا بها، فيما اشتراط خبراء بالفقه في جسمِ المحكمة الاتحادية لايعبر عن تحقيق المادة الثانية من الدستور لانها ببساطةِ تحصيل حاصل. وفي حال تم تشخيص أن القضاء الدستوري أمضى قوانين وانظمة مخالفة لاحكام الاسلام. يحق لأي جهة أن تترافع أمامها. وهو مايكشف عن مساعٍ تتجاوز سلامة القوانين من مخالفة احكام الشريعة الاسلامية.
وعلى الرغمِ من أنَ المعالجات ممكنة استنادا الى الدلالالة اللغوية للنص الدستوري، الذي استعمل لفظ " تتكون المحكمة الاتحادية ..." وهو لفظ له دلالة مختلفة عن لفظ " تتشكل" في السياق القضائي، أي أن الاول يمكن الاستعانة به لتضمين المحكمة الاتحادية خبراء بصفةِ مستشارين أو هيئة رأي أو أي عنوان آخر، يمد قضاة هذه المحكمة بالرأي في الموضوعات مدار الاختصاص. وهنالك معالجة آخرى طرحها مجلس القضاء الاعلى وهي" تتشكل المحكمة الاتحادية من رئيس ونائب وسبعة قضاة. بالاضافة الى خبراء بالفقه الاسلامي يشتركون في عضوية المحكمة الاصل في الدعاوى المتعلقة بدستورية القوانين والانظمة التي تتعارض مع أحكام الاسلام. " إلا أن السعي من اجل أن يكون هؤلاء الخبراء جزءا من تشكيلة المحكمة، بل وأعطائهم " حق النقض" بحسب نسخة مشروع القانون ، يفيد كما سلف بمحطة آخرى من نزاع الفلسفات.
تقوم المحكمة الاتحادية الان في مشروعيتها الوظيفية على قانون رقم "30"، بيد أن الغاء الفقرة "3" من هذا القانون والتي تنص" تتكون المحكمة الاتحادية العليا من رئيس وثمانية اعضاء يجري تعيينهم من قبل مجلس الرئاسة، بناء على ترشيح مجلس القضاء الاعلى بالتشاور مع مجالس القضاء للاقاليم"، تسبب فضلا عن خسارة المرجعية القضائية في الترشيح، وتسبب وهو ما يحصل الان بتعطيل المحكمة الاتحادية بسبب غياب عضوين منها" مؤكدا أن مكمن الاشكالية هذه أساسه انفصال رئاسة المحكمة الاتحادية عن رئاسة مجلس القضاء الاعلى، وهي خطيئة اقترفت بحق " وحدة القضاء" بوصفها سلطة مناظرة للسلطات الآخرى، فالاستقلال الذي عززه قانون مجلس القضاء الاعلى وزاد عليه الغاء الفقرة "3" من القانون "30" يشي بانفصال لايمكن ان يكون داخل سلطة واحدة. فعلى الرغم من الايمان بالشخصية المعنوية لكل مؤسسة قضائيّة وخاصة " المحكمة الدستورية" إلا أن معنى الاستقلال ينبغي أن يكون ناظرا إلى كونها ضمن فضاء سلطة واحدة. وليس كما مابين المؤسسات في سلطات مختلفة. وهذه هي فلسفة استقلال السلطات وهو مبدأ وأصل ديمقراطي. فهذا النزوع الفج لاستقلال المحكمة الاتحاديّة العليا عن فضائها القضائي. ساهم وكما هو حاصل بارتهانها للسلطات الاخرى على نحوٍ يهدد الاستقلال القضائي بالكامل.
يتبع
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat