النظافة وققصها من الألف إلى الياء.. أعقاب السجائر(الگطوف)! // الجزء الثاني
محمد جعفر الكيشوان الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

ولا زال بعض المدخنين يعملون بهذه العادة السيئة وكأنها من الإرث الذي ينبغي المحافظة عليه من الزوال والإندثار، رمي عقب السيجارة بشكل بهلواني بعد الإنتهاء من تدخينها. لم أنسَ منظر ذلك الرجل الطاعن في السن الذي أصاب ثوبه (دشداشته) عقب سيجارة رماه مدخن طائش بشكل غير لائق فاستقر في ثوب ذلك الرجل فبدأ يحترق دون علمه إلى أن شعر فجأة بحرارة النار فنهض من مكانه مذعورا يحاول خلع ثوبه بينما المدخن يأنس بما آلَ إليه سوء فعلته. ليس ذلك وغيره الكثير بالأمر الغريب، فكلنا قد لاحظ ولو مرة واحدة هذا التصرف الأحمق من مدخن تسبب في أذى غيره بالدخان السام وبالنار المحرقة عند رمي عقب سيجاره بشكل عشوائي، غير مبالٍ لمخاطر الحريق الذي قد يتسبب من جرّاء إهماله إن أحسنا الظن به وإلتزمنا الأدب معه، نعم.. سيدي الكريم ليس كل ذلك غريبا علينا فقد ألِفناه وعاصرناه وعشناه منذ الصغر، ولكن الغريب والعجيب هو ان القليل من المحترمين قد إلتفت إلى هذه الظاهرة وتصدى لها وسعى جاهدا لمحاربتها والحد منها كي ننتقل الى الخطوة التي تليها. ربما الخطوة التي تليها والتي لا تنفصل عنها هي (الهورن) منبه السيارة وهذا (شغلته شغله).عبثا يحاول بعض المحترمين من ان يكون وضعنا السياسي (توب) وعلى أحسن ما يرام دون الاهتمام بهذه المسائل البسيطة والتي ربما يراها بعض التجار والمنتفعين من سوء حالنا وآلامنا وتأوهاتنا بأنها تافهة وليست بذي بال. وهذا صحيح وواقعي فالوسخ يرى النظيف يضيّع وقته وماله في شراء مواد التنظيف. النجاسة العينية والاوساخ المادية يطهرها الماء المطلق غير المضاف وربما طهر الغياب وطول الزمن النجاسة العينية بدون حتى الماء. إن لأمر في غاية البساطة واليسر لمن أراد ان يتنظف (عينيّا) ان صح التعبير، لكن الأمر ليس سهلا لمن أراد ان يتطهر ويكون فكره نظيفا ولبه راجحا. النجس من الثياب ينجس صاحبه الذي يرتديه فلا تصح صلاته ان علم بنجاسته، لكن المتنجس فكريا يؤثر على الآخرين فيكون ثوبه مصدر إشعاع للقاذورات الفكرية التي أتى بها من مزابل تاريخ أمم سابقة كالجاهلية مثلا. قلت لأحدهم وقد سمعته يتفاخر بالمدنية الزائفة وأنه يحتسي (الخمرة) ـ عافاكم الله ـ : إحتساء الخمرة ليس دليلا على التحضر والمدنية بل عكس ذك تماما، أنظر إلى أحوال المشركين في عصر الجاهلية أنهم كانوا يسبحون في بِرَكِ (أحواض) من الخمرة ولكن أفئدتهم هواء وعقولهم خاوية فقد ملئت وسخا وضلالة وعفنا الذي يتكاثر نتيجة إستنساخ الجراثيم. سأقول شيئا مختلفا وخطيرا : إن كان قول "النظافة من الإيمان" موضع إشكال في كونه حديثا نبويا أم لا فإن قول النظافة من الذوق الرفيع والخلق الكريم لا يمكن التشكيك به أو نفيه البتة. فالذي لا يعتني بالنظافة (ناهيك عن الطهارة) فهو عديم الأخلاق والذوق والآداب. إليكم قصتي مع المسؤول في النجف الأشرف:
المسؤول غير الواعي..
قبل عدة سنوات كنت قادما من الحبيبة كربلاء المقدسة لزيارة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وكان معي أحد الزائرين المعاقين جسديا فطلبت من السيد المحترم في السيطرة ان يجيز للسيارة التي تقلنا بالوصول الى اقرب نقطة ممكنة للحرم المطهر. رفض السيد المحترم ذلك وطلب مني أن لا أناقشه كثيرا لأني كنت قد سالته عن أولئك السادة المحترمين الذين يظهرون له أوراقا معينة لا أعرف محتواها فيدخلون بيسر. فكان يقول لي : لا تجادل بما ليس لك به علم. يعني لا تتكلم أكبر من حجمك يا رجل.. قلت له : شكرا على الإلتفاتة سيدي الكريم، هل بوسعي ان اطلب منك معروفا آخر وهو ان تدلني على المسؤول كي أرجوه ان يساعد هذا الرجل المريض؟ فقال لي أنه يجلس في تلك الغرفة وأشار بسيجارته الى ذلك المكان فكان دخان سيجارته قد ادمع عيني "فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ". ذهبت الى تلك الغرفة وحييتُ السيد المسؤول بـ : سلام عليكم. ولكن السيد المحترم لم يرد السلام وكام مشغولا هو الآخر بالتدخين. كان موقفا محرجا جدا لي فكيف سأبدأ الحديث مع رجل لم يرد عليّ التحية، عموما تجاوزت الموقف وطلبت منه المساعدة فقال لي : (أمشي إطلع برَّه). فقلت له : شكرا. تبسم الذين كانوا معي وقالوا : سيدنا من كربلاء إلى حد هذه النقطة وأن توزع شكرا شكرا، فكلما سمعنا شكرا عرفنا بأن أحدا قد تجاوز حدود الأدب معك. لم أعلق على كلامهم لأن السيد المسؤول المحترم رمى علبة السجائر في الشارع بشكل اكثر من بهلواني بعدما رمى عقب السيجارة فأصابت ثوب ذلك المريض فرجعت وقلت له : يا سيد انت لم تساعدنا وأسمعتنا كلاما نابيا وطردتنا من مكتبك فقتبلنا كل ذلك وشكرناك واعتذرنا عن إزعاجك ودخولنا كما تفضلت مكتبك دون إذن او موعد مسبق، كل ذلك فهمناه ولكن الذي لا نفهمه هو كيف ترمي علبة السجائر بوجوه المارة وانت مسؤول محترم يتعلم منك من فاته التعلم عند صغر سنه، أنظر أيها السيد فقد أحزنت قلب هذا المريض فبدل مساعدته رميت عليه وان بغير قصد عقب سيجارتك فأحدثت ثقوبا في ثوبه. ثم والامر المهم الآخر هو أنه ليس من الأدب والأخلاق أن ترميّ شيئا بهذا الشكل غير المحترم بوجوه المارة وبوجوهنا نحن الذين قد حللنا ضيوفا عليك وإلتمسناك لحاجة كنا نأمل منك قضاءها، وإن لم تشأ ذلك فلا تسمعنا ما لا تحب أنت ان تسمعه من احد. يا سيد إن كنّا صغارا في عينينك فأنت أصغر منا في عيون من هم أكبر منك، فلا يغرنّك منصب ما دام لغيرك يوما، ولا تغرنّك حجرة من طين وآجر يسمونها مكتبا. يا سيد اتقِ الله فينا فلم نسمعك إلاّ الجميل، يا سيد "نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ". يا سيد حافظ على نظافة وجمال مدينة أمير المؤمنين عليه السلام. يا سيد أنت تجاور الإمام علي عليه السلام وحق الجار على الجار، فإن لم تؤمن بأن تنظيف مدينة المولى عليه السلام لا يخلو من اجر وثواب من الله تعالى، وفيه الشكر الجزيل من صاحب المدينة وساكنها صلوات الله عليه، فعلى أقل تقدير كن حريصا على النظافة ولا ترمي القاذورات في الطرقات العامة وحتى الخاصة وحتى في ساحة بيتك أو حديقة منزلك ان كانت هناك حديقة. يا سيد بإختصار : كُنْ نظيفا.
لم يحتمل هذا المسؤول المحترم كلامنا فثارت حفيظته وأخذ يسب الجميع من الصغار والكبار وقال : انظر إلى هذه الشوراع التي تتألم على حالها وتحرص على نظافتها لقد سرقوا المخصصات لتعبيددها وأخذوا الأموال مضاعفة وبدون أية خدمات، أنظر، أنظر.... وأخذ يعدد لي كل ما يبعدني عن حديثي وكأنه مدير برنامج حواري يأتي بالضيف ليحاوره ولكن في الواقع يكون الضيف مستعما لخطابات ذلك المدير فلا معنى للتحاور إلاّ في حالة حوار الطرشان : كلٌّ يغني ليلاه!!!
تعليق..
لغاية كتابة هذا المقال لم يصادفني أن قلت لسيد أو لسيدة وحتى لزوجتي المحترمة أن لا ترمِ شيئا في الشارع او الزقاق او أي مكان كنت، لم يصادفني أن قال لي أحدهم آسف لقد اشتبهت. الكل يحاول ان يبرر سوء فعله بأعذار واهية والقصد هو الإصرار على (الوساخة)! لماذا؟ كما أسلفنا إن النظافة بمفهومها العام الشامل تؤسس لمجتمع نظيف حتى معنويا، ولا معنى لنظيف معنويا في وسط وسخ معنويا. أظن بأن مقالا من هذا النوع قد يلفت البعض الى حقيقة ان الوقت قد حان الآن أن نحتفظ بورقة الدهين بأيدينا ونرميها فيما بعد في السلة المخصصة له. وقبل ذلك يا سيدي مَنْ أتانا بثقافة الأكل ماشيا وهل ذلك من خلق الآدميين وخاصة المسلمين وأصحاب الأديان السماوية. قرأت مؤخرا أنه في اليابان قد صدر أمر بمنع الأكل حين المشي وهذا يدعم قولنا بأن النظافة تسهم في تقدم المجتمعات وتحملها على التقدم والإبداع والإختراع. النظافة في معناها البسيط تعني الصحة والسلامة والذوق الرفيع والتمع بالمناظر الخلابة، والاوساخ و(الزبالة) في معناها المبسط تعني الأمراض والأسقام والذوق الرديء والتذمر والسخط من المناظر المقرفة. المنظر الأول يبعث على السرور والإنشراح والمنظر الثاني يبعث على الحزن والكآبة. أظن ان الوقت الآن قد حان إلى نسحق عقب السيدارة بكعب الحذاء كما كنا نفعل في بداية إختراع السجائر في الماضي بدل ان نرميها في الهواء فتطير محلقة كأنها (درون) طيارة صغيرة بدون طيار.
نسأل الله العافية
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat