الأحداث في وسط وجنوب العراق في العام 1991(الانتفاضة الشعبية الشعبانية) مـَنِ الذي قطف الثمار؟؟
كاظم الحسيني الذبحاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كاظم الحسيني الذبحاوي

بعد قرائتي للمقال الذي كتبه السيد جواد أبو رغيف ونشره موقع رابطة الكتاب العراقيين وموقع كتابات في الميزان تحت عنوان (ملحمة أبطالها عراقيون الانتفاضة الشعبانية 1991) فإنه راق لي البيان السردي الذي دبجته أنامل السيد أبو رغيف، فتولدت عندي الرغبة أن أكتب بهذا الموضوع شيئاً يسيراً .
دارنا على مقربة من بيت السيد الخوئي . و نتيجة لما وقع في النجف باعتبارها إحدى المدن المنتفضة من اختفاء لمعالم السلطة البعثية ،وظهور معالم أخرى جديدة لم يألفها الناس .. ساد شعور عند الجميع أن النظام البعثي قد ولّى دون رجعة . والتحليلات التي سمعناها خلافاً لذلك إنما هي تحليلات انتشرت بعد فشل الانتفاضة لا في أثناء ذروتها وسيطرة الأشخاص المنقبين(الملثمين) على مقاليد الأمور في المدينة والمدن المجاورة ، ففي هذه الأثناء تتجه التحليلات باتجاه عدم عودة النظام إلى الحياة مرة أخرى، ولا سيما أنّ الناس في الوسط والجنوب ـ على ما أظن ـ اتخذت من النداء الذي وجهه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج بوش الأول مثابة لقرب انتصارهم على هذا النظام الفاسد الذي أرهق البلاد بحروب كان القصد منها إدامة فترة حكمه . على هذا فإنّ ما يذكره البعض من الأخوة من أنهم كانوا يتنبئون بفشل الانتفاضة ؛ إنما هو محض مبالغة منهم، ولا يصمد أمام التحليل الذي يقدمه المنصفون ؛ وإلاّ لمَ لمْ يعلن أحدهم أنّ الانتفاضة فاشلة وسيتمكن النظام من إجهاضها ،حتى تنصرف الناس إلى عدم التصديق بسقوط النظام ؟
نعود إلى صلب الموضوع . الشيعة في العراق ليس لديهم مشروع سياسي منذ ما بعد ثورة زيد عليه السلام ، مشروعهم السياسي قائم على التصديق بالحرب الإعلامية المضادة ،وقراءة التراث بطريقة تدفعهم نحو الموت ..
كنا في زمن النظام البعثي نعتبر أنفسنا منتصرين إذا اجتمعنا في قبو تحت الأرض نمارس عملية قراءة المراثي واللطم على الصدور بعيداً عن أعين الرقيب الأمني أو الحزبي ،فإلى هنا تنتهي طموحاتنا ، هذا هو مشروعنا السياسي !
في ذروة الانتفاضة دخلتُ الصحن الحيدري فإذا بمواكب العزاء والتطبير تستعد للخروج إلى الشوارع .. جاءت امرأة ذكرت أنّ لديها عائلة ليس عندهم طعام يأكلونه ، فأرشدها سماحة الشيخ بضرورة الذهاب إلى مسجد صافي صفا لتغترف منهم الرز والعدس المطبوخين في قدور كبيرة هناك .. لافتات عريضة يزف كاتبوها بشارة سقوط النظام العفلقي وترحيبٌ واضح بانبثاق (الجمهورية الإسلامية العراقية) ، ثم عبارات الموت لصدام والموت للبعث ،وتوزيع السلاح على نقاط السيطرات (الربايا) المنبثة في الأحياء السكنية ،ولفيف من طلبة العلوم الدينية يحملون البنادق وقاذفات الصواريخ ويصطحبون معهم مريديهم من الكهول والشباب والنسوة المنقبات في مجاميع عزائية تثير التساؤلات . سألتُ أحد الأصدقاء المقربين عن حال مسجد الكوفة ،فأجابني بكلمة مختصرة : إذا أردت أن يتبعك الناس ما عليك إلاّ أن تتلفع بعمامة سوداء أو بيضاء وتدخل المسجد ، يتبعك الآلاف دون أن يسألك أحدٌ منهم مَن أنت !
قضى صديق لي زهرة شبابه في زنزانات الحاكمية الحمراء بتهمة نطقه بجملة : (السيد الخميني) ،والحرب مستعرة نيرانها بين البلدين ،وشاب صغير يقضي شطراً من عمره في زنزانات الأمن العامة لأنه قصّ على زملائه أنه رأى نفسه في المنام كأنه في مشهد الإمام الرضا يقبل يد السيد الخميني !
هذه هي أبرز ملامح المشروع السياسي الشيعي العراقي !!
لسان الحال في زمن صدام بطوله ومعاناته وقسوته ونفاياته هو : الشعب يريد إسقاط النظام، كما في مصر وفي البحرين وفي اليمن ، أما ما بعد إسقاط النظام فليس من شأننا !!
ولذا نجد أن ثمرة الانتفاضة الشعبانية ثمرتان ، الثمرة الحقيقية : قطفها صدام نفسه من يد الإدارة الأمريكية والسعودية .والثمرة الأخرى قطفها الشعب العراقي في الوسط وفي الجنوب ،وكانت هذه الثمرة متنوعة بين البطش والفتك والمقابر الجماعية والسجون الرهيبة والغرامات الثقيلة والفقر والجوع والتخلف والخوف والنفايات والحصار والأمراض النفسية والجسدية وتحطيم ما كان موجوداً من البنى التحتية والخراب والدمار والتنكيل والإهانات والرقص في ملعب الشعب وتعطيل المساجد بشكل تام ،وتهديم المشاهد المشرفة واقتطاع المساحات من كربلاء ، وقصف مدينة النجف بثمانية وستين صاروخاً ميدانياً على ما ذكره شهود العيان ، وما ذكرته بعض التقارير، وآخرها الاتهام بالارتباط بإيران .
الحديث عن الانتفاضة الشعبانية حديثاً يبعث على الأسى واللوعة و... الندم !
قد يقول القائل : العراقيون قطفوا الثمرة حينما سقط صدام ونظام صدام ،وحينها أقول صامتاً :ـ
تذكر التواريخ أنه بعد انتهاء معركة الطف جيء بالماء لتشرب الأطفال ،فامتنع الأطفال عن شرب الماء لأنهم بلغوا حداً لم يستسيغوا معه الماء مهما كانت عذوبته ،ولم يضُر بهم العطش في ذلك الصيف العراقي اللاهب !
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat