صفحة الكاتب : صفاء الندى

الضِفّةُ الأخرى
صفاء الندى

 كانتِ العَبّارةُ تقفُ على ضفةِ النهر وهي مُتزينةٌ بأجملِ حُلّةٍ ومُزخرفةٌ بخطوطٍ بديعةٍ وإنارتُها تشعُّ وقد أحاطتْ بضوئها المرسى بكُلِّ جوانبِه.

إنَّ منظرَها يبعثُ في النفسِ السعادةَ والأملَ، ويُغري كُلَّ ناظرٍ إليها بطمعِ الركوبِ فيها والتمتعِ بنسائمِ الهواءِ الهادئة وتموجاتِ النهرِ المُطردة..

ما إنْ نادتِ العبّارةُ مُعلنةً قُربَ موعدِ الإبحارِ حتى تهافتَ الناسُ وبكُلِّ أصنافِهم صغارًا وكبارًا، نساءً ورجالًا، وجميعُهم يَحلمونَ بقضاءِ لحظاتٍ هانئة على متنِها..

أقبلوا عليها قائلين:

-أن أفيضي علينا أيتُها العبّارةُ من جمالكِ وبهائكِ ورفاهكِ، فنحنُ المحرومون جِئناكِ علّكِ تَنتشِلينا من مدينتِنا المُدمّرة والمُهملة.

فأجابتهم "بدلالٍ" وهي تُمعِنُ بهم تشويقًا:

-هيّا - هيّا فلتعجلوا.. اركبوا ولن تندموا؛ إنّي أريدُ بكم خيرًا، ولو تعلمون ما أخَبئه لكم في الضفةِ الأخرى من النهر.. إنّها الجنةُ أمامَكم ألا ترون؟!

فبدأ الناسُ بالتسابق.. كُلٌّ يرغبُ باللحاقِ بها، وأخذتِ العبّارةُ بإطلاقِ الأبواقِ مُحذرةً من انتهاءِ الوقت، فازدادَ الناسُ اندفاعًا وتدافعًا خشيةَ تفويتِ فرصةِ الوصولِ للضفّةِ الأخرى..

وما زالتْ تُناديهم:

-إنّني أسَعُ الجميعَ فلا تتوقفوا

فتزاحموا واصطكوا جسدًا بجسد

وعقلًا بعقل..

أعدادُهم هائلةٌ وآمالُهم عالية..

ضحكتِ العبّارةُ وبدأتْ بالميلانِ يمينًا وشمالًا، ازدادتْ انحناءً وهي تصرخُ بهم:

-هل من مزيد؟ هل من مزيد؟

فأجابوها:

-نعم، يوجدُ المزيدُ، ولكنّكِ تَميلين، ونحنُ نخشى الغرق

قالت وهي تُغريهم أكثر:

-إنّني أتمايلُ وأرقصُ فرحًا بمجيئكم

وبهذهِ الأثناءُ قُطِعتْ أسلاكُ العبّارةِ وجَرفتْها الموجاتُ بعيدًا، وغطسَ طرفُها بالماءِ فانْتابَ الناسُ الهلع، فاتجهوا للجانبِ الآخر من العبّارةِ فأخذَ بالانخفاضِ أيضًا، وهو على وشكِ الانقلابِ بهم، حاولوا التشبثَ بما يصلُ لأيديهم فلا ينفعهم، فتعالتْ صيحاتُهم وضجّتْ كُلُّ زوايا المكانِ بصرخاتِ الأطفالِ وبكائهم..

وَوبّخَ الآباءُ العبّارةَ والحسرةُ تَنهشُ بأفئدتِهم قائلين:

-إنّنا نغرقُ أينَ وعودُكِ الجميلة؟!

لماذا لمْ تتركي أطفالَنا على اليابسةِ وَتَأخذينا نحنُ فقط، ما ذنبهم؟!

فأجابتهم العبّارةُ وقد تَبدّلَ حالُها وبانَتْ حقيقتُها الشريرةُ للعيانِ فَبَدا وجهُها مُسودًا قبيحًا، وملمسُها شائكًا، وقد غطّتها الدماء:

-ذنبُهم أنّكم آباؤهم، وأنّكم تَتَّبعون كُلَّ ناعق..

ناديتُكم فأطعتموني..

وهل ظننتُم حقًا أنَّ من صنعوني يُريدون منّي أنْ أُفرِحَكم وأُدخِلَ السرورَ لقلوبِ أبنائكم؟!

إنّكم تُخدَعونَ للمرّةِ الألف!

قامتِ العبّارةُ تتفاخرُ بفعلتِها الشنيعة قائلة:

-أنا العبّارةُ الماكرةُ أُعلِنْ الآنَ أنّي جَعلتُ عالي نفسي سافلَها وأنّي أُغرِقُكم..

وقد نَفّذتُ مُهمتي بنجاح، ولن تُفلحوا بمُعاقبتي بل سَتُرمِّموني وتُعيدونني للعملِ مرةً أخرى.

ألا تعلمونَ أنّكم تُبادُ أحلامُكم وتموتون ليعيشَ أولئك!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صفاء الندى
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/11/15


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : الضِفّةُ الأخرى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net