حركة مسلم بن عقيل (ع) ونكبة الوعي
الشيخ ليث الكربلائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ ليث الكربلائي

لم يدخل مسلم بن عقيل (ع) الكوفة واليا وانما مُستطلِعا لأحوالها ولا صلاحية له في البدء بالقتال فتوجيهات الإمام له عند ارساله - والتي نقلها المؤرخون - واضحة في هذا، لكنه اضطر للدفاع بعد اعتقال هانئ بن عروة زعيم قبيلة مذحج، فخرج مسلم - في رواية ابي مخنف وغيره - مع اربعة آلاف رجل لمحاصرة قصر الامارة ثم تناقص العدد لاحقا حتى خرج ابن عقيل من المسجد بعد صلاة المغرب من اليوم نفسه ولا أحد معه !.
هذا على الرغم من أنه لم يكن في القصر عند محاصرته بهذا العدد الغفير سوى 20 شرطيا أحكموا اغلاق البوابة الرئيسية وعشرة من الأعيان عند ابن زياد فقط، فلك الآن أن تسأل كيف تهشمت تلك القوة الضاربة على أعتاب هذا القصر الأجوف؟ ببساطة لقد ضرب ابن زياد الناس في مَقتل.. ضربهم في إرادتهم المتميِّعة وأرواحهم المهزومة ووعيهم الساذج فكفاه ذلك شر القتال! .. ولكَ أن تتأمل في هذين المشهدين ليتضح ذلك:
المشهد الأوَّل: قبل خروج مسلم ببضعة ساعات كان قد وقَع أمام هذا القصر بسكانه المعدودين سيناريو آخر حيث حاصرته قبيلة مذحج بقوة ضاربة قوامها مئات الفرسان بقيادة عمرو بن الحجاج يطالبون بالاطمئنان على سلامة زعيمهم هانئ بن عروة.
فارتقى حينها شريح القاضي بأمرٍ من ابن زياد شرفة القصر وشهِدَ لهم أن ابن عروة حي يرزق يعيش في القصر، فحمَدَ القومُ اللهَ وانصَرفوا .. ولم يكن شريح كاذباً - وانتبه لهذا - فما قاله شريح كان صادقا في نفسه لكنه من جهة أخرى أخبرهم بنصف الحقيقة فقط وأخفى نصفها الآخر والذي هو أهم من الأول ولأجله جاءت فرسان مذحج.. فلم يُخبرهم أن هانئ قد ضُرب على وجهه حتى تحطم أنفه وتناثر لحم جبينه وخده على لحيته.. لم يخبرهم أنه في القصر مسجوناً سابحا بدمه وليس ضيفا .. لم يخبرهم أن هانئ يقول أرسلوا عشرة فرسان فقط يكفي ذلك لإنقاذي .. وهو ما قاله هانئ لشريح فعلاً عندما زاره في السجن . هكذا لم يخسر ابن زياد شريحا وفي الوقت ذاته أعطى الناس ما يكفي لهزيمة ارادتهم المتميِّعة ووعيهم الساذج .
المشهد الثاني: بعد سويعات من المشهد الأول عندما حاصر ابن عقيل القصر ارتقى أعيان الكوفة شُرفة القصر ذاتها وخطبوا في الناس واحدا تلو الآخر الى غروب الشمس.. وحلفوا للناس الأيمان المغلظة أن جيش الشام العرمرم بات على مشارف الكوفة ويحمل الأوامر من يزيد بن معاوية ليس بسحق من يقاتل الى جانب مسلم فقط بل وهتك عوائلهم ايضا والتنكيل بها وحرمان ذريتهم من العطاء ونفيها الى الثغور و... والملاحَظ أن هؤلاء الأعيان عملوا بمبدأ التكرار إذ خطبوا واحداً تلو الآخر وكرروا الأيمان نفسها والكذبة ذاتها حتى صدَّقها كثير من الناس وهلعت العوائل خوفا من جيش الشام الذي يعيش في خيالها فقط فجاءت النساء والرجال يثبطون ابنائهم وأقاربهم في جيش مسلم حتى انتهى به المطاف وحيداً.
هذا درس يجب ان نعتبر منه .. فشريح والأعيان لم يموتوا بعدُ.. ومنصة القصر تم استبدالها بفضائيات ومنصات تواصل أكثر رقيا وأوسع انتشارا وأعظم تأثيرا .. ولا تزال للإشاعة سطوتها في مختلف المجتمعات ولا سيما عندنا في العراق، فحذار ان تقبل شيئا بلا دليل .. حدثني الثقات ولديَّ وثائق و.. هذه كلمات قالها من قَبلُ شريح والأعيان .. فلا تصغِ لها ما لم تعرف من هم الثقات وما مدى وثاقتهم وما هي الوثائق وما مدى صحتها .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat