تهافت الأدوار ما بين محقق وناقد
الشيخ محمود عبد علي البغدادي.
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمود عبد علي البغدادي.

لعل من أبرز السمات في الوقت الحاضر هي سمة التمييز والتفرقة بين الوظائف العلمية و من أظهر الأمثلة على ذلك هو تحقيق النصوص ونقد النصوص وحسب التتبع فإنّه قبل مائة عام لم يكن هناك فرق بين الاثنين بل هما اسمان لمدلول واحد ويمكن مراجعة كتاب أصول نقد النصوص ونشر الكتب للمستشرق الألماني (برجستر اسر) ولكن في الاعصار الأخيرة أصبح هناك فصل ما بين هذين الاسمين مدلولا من حيث التنظير ومن حيث التطبيق حتى أن لكل منهما صارت أنواع مختلفة بحسب يعزى ذلك إلى تنوع العلوم و اختلافها المعرفي والميداني فمثلا تحقيق النصوص التأريخية له منهجه الخاص وطرائقه و كذا الفقهي وكذا الادبي وكذا الفلسفي وهكذا.
و أيضا نقد النصوص فنقد النص التأريخي يختلف عن اللغوي أو الادبي من حيث البنية و من حيث المضمون.
فالحاصل لكل من تحقيق النصوص ونقد النصوص منهج وآلية تختلف عن الآخر فمن يكون محققا لا يمكن أن يكون ناقدا في نفس الوقت لنفس المادة و ذلك لعدة أمور:
١-وظيفة المحقق هي إبراز النص كما أراده مؤلفه أو كاتبه فهو من هذه الناحية وظيفته البناء
أمّا الناقد فهو يحاول اكتشاف الثغرات في النص لابرازها بصورة سلبية للقراء على نحو التنبيه أو على نحو آخر.
٢-وظيفة المحقق تعزيز ما يأتي به كاتب النص بهدف إضافة نحو آخر من المصداقية في اثبات ما يأتي به الكاتب في نصه فهو بوصفه مدافع عما يتضمنه النص أما الناقد فعلى خلاف ذلك إذ وظيفته اضعاف للنص فهو يأتي بما ينقض النص.
٣-إنّ وظيفة المحقق تبدأ بعد كتابة المؤلف للنص أمّا وظيفة الناقد فتبدأ بعد وظيفة المحقق -في أعصارنا المتأخرة-
٤-النقطة الأهم أنّ التخصص مهم في التحقيق ولكن ليس بأهم منه في نقد النصوص فلابد أن يكون الناقد متخصصاً حتى قيل: أنّه لابد أن يكون نداً لكاتب النص.
والكلام ها هنا عن نقد المضمون لا نقد الشكل.
٥- فمثال النقد الفقهي مثلاً ما نقرأه في مصنفات الشيخ الأنصاري ره في كتاب الطهارة مثلاً والصلاة فنراه ينقد صاحب الجواهر مثلاً وكذا في كتبه الاصولية نراه ينقد صاحب هداية المسترشدين أو القوانين و غير هم فهو نظير لصاحب الجواهر وصاحب الهداية و القوانين و لاغبار على ذلك وأيضا مادة نقده هو الذي يصوغها لا أنّه وظيفته النقل مثلاً فهو حينئذ غير ناقد أصلاً بل هو ضيفٌ على مائدة هذا وذاك.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat