(المآسي الواقعة بين أهل الدين الواحد) :  آية الله السيد محمد باقر السيستاني حفظه الله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 وإنما نشأت هذه المآسي ـ التي اتُّفقت بين أهل الدين الواحد ـ من خليطٍ: [١] من عدم العلم، [٢] وضعف التعقّل، [٣] وعدم تهذيب الأخلاق.

[١] فمن عدم العلم: قراءة النصوص القرآنية وتفسيرها بغير وجهها؛ وما ذلك إلا لعدم امتلاك أدوات فهمها وتفقهها؛ مما أدى إلى تطبيق الآيات الواردة في شأن المشركين المحاربين للمسلمين على المسلمين.
ومن العجب أن يتنزّل مستوى الفهم والتفطّن الأدبي للنصوص القرآنية والنبوية إلى هذا المستوى في وسط قسم من المسلمين؛ حتى فهموها على وجه يسوّغ لهم هذه التصرفات الشائنة وغير المسبوقة في تاريخ الدين.

[٢] ومن ضعف التعقل: الاعتقاد بأن هذه السلوكيات والأعمال يمكن أن تؤدي إلى وجود دولة مستقرة، تشمل جميع بلاد المسلمين، ليعود مجد الإسلام والمسلمين إلى ما كان عليه في العهد الأول!
مع أن من الواضح أن هذه الأمور لن تؤدي إلا إلى زيادة الفتن، وانتشار الشبهات في بلاد المسلمين، وصرف طاقاتهم وإمكاناتهم في القتال فيما بينهم.
ولقد كان تقدم الإسلام قبل أربعة عشر قرناً في الجزيرة العربية التي كانت مليئة بالخرافات والتعسّف ـ على صفاءٍ في نفوس أهلها ـ على أساس خطاب فطريٍ عقلانيٍ، يحفز في الناس روح العقل، ويوقد فيهم مشاعر الفطرة، ويستشهد لهم على حقانية النبي (ص) بأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعوهم إلى التأمل والتفكير في الكون والحياة، ويوجههم إلى التصرّف الحكيم والعمل الفاضل برفق وأناة.
فكيف يمكن الدعوة إليه في هذا العصر ـ مع نموّ الفكر والشعور الإنساني ـ بهذه الأفكار والسلوكيات المجافية للعقل والفطرة؟! 
وبعد، فالحكومة في الإسلام وسيلة لإشاعة العدل والتوجيه نحو الفضيلة، وليست غاية لذاتها. فكيف يضحي المرء بالغاية لأجل الوسيلة! فهل هذا إلاّ من قبيل "لبسِ الإسلامِ لبسَ الفرو مقلوباً" كما ورد التنبؤ به في الأثر؟!.

[٣] ومن عدم تهذيب الأخلاق: الوقوع في المزاجيات المفرطة الخارجة عن الاعتدال الإنساني، وطغيان المشاعر الناشئة عن حب الرئاسة والجاه، أو الشعور بالتحقير والتهميش ـ مما يؤدي إلى الحقد على الآخرين والنكاية بهم ـ أو ردود أفعال مبالغ فيها على ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية.
ومن المعلوم أن الإنسان ما لم يتهذب فسوف يجعل أي مبدأ وعقيدة سبيلاً لإرضاء مزاجياته، ويتخذ من المبادئ غطاءً لتوجيهها، سواء كان هذا المبدأ هو الدين، أو الدولة المدنية، أو قانون حقوق الإنسان.
ولقد شهدنا في هذا العصر سلوكيات من دول تنادي بمبادئ، مع أن سلوكها ليس السلوك الأمثل في تطبيق تلك المبادئ بل بعضها لا تناسبه أصلاً؛ لما فيها من التعسف ومجانبة الإنصاف.
وعلى العموم فإن المبادئ الحقة لا تكفي في تصحيح السلوك الإنساني بل تحتاج في فهمها ـ فضلاً عن تطبيقها ـ إلى حاضنة سليمة؛ فإذا لم تسلم الحاضنة ـ لعدم استكمال العقل، واستحكام الجهل، والخروج عن الاعتدال ـ فإن هذه الحاضنة سوف تشوّه تلكم المبادئ، وتحوّر نصوصها، لتوجيه تصرفاتها، ويستحيل عليها فهمها وتطبيقها على وجهها.

📚: (اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص٢١٣).
✍🏻: السيد محمد باقر السيستاني.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/06/14



كتابة تعليق لموضوع : (المآسي الواقعة بين أهل الدين الواحد) :  آية الله السيد محمد باقر السيستاني حفظه الله
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net