نماذج من تحريف الكتاب ( 3): آية تعدد الزوجات بين شحرور والحيدري
هشام بن الحكم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هشام بن الحكم

الآية الثالثة التي حرفها محمد شحرور، وقلده فيها السيد الحيدري هي قوله تعالى فی سورة النساء: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا} النساء: 3.
وسوف أقتصر هنا على تفسير شحرور لها، مع مناقشة جزئية لهيكل ومنهج البحث، وأدرج رابطاً لإحدى محاضرات السيد الحيدري التي خصصها لبسط وإيضاح ما أورده شحرور، وانتهى للنتيجة لذاتها، دون أن يصرح ـ كعادته ـ في الأخذ عن أيِّ كان.
ففي كتاب شحرور المعروف: «الكتاب والقرآن ص: 597» خصص عنواناً لتعدد الزوجات، وبدأه بالقول: «إن تعدد الزوجات تعتبر من أهم المشاكل التي تواجه المرأة العربية الإسلامية بشكل خاص، وتواجه الإسلام أمام العالم بشكل عام».
وهذا التعبير يسمى في عرف البحث العلمي الأکاديمي بـ «الحكم المسبق». وكل بحثٍ جديد، بدأ بحكم مسبق يعني أنه ليس حيادياً ولا موضوعياً، إذ لم يكن الباحث قد تناوله فيما مضى ليصبح نتيجة حتمية يجعلها في مقدمات بحثه، إنما هي الفكرة الرئيسة في البحث ولا بد أن يكون تجاهها حيادياً بالكامل. خصوصاً أنه يتعامل مع كتاب الله تعالى، ولا بد أن يكون كاشفاً عن المراد فقط، لا متحكماً فيه.
ثم استعرض الآية الشريفة، وحاول تفسيرها بطريقته الخاصة ليوجهها بما يتناسب وعلاجه للمشكلة زعمها، حكم بها مسبقاً بهذا الحكم.
قال شحرور: «لقد جاءت هذه الآية معطوفة على التي قبلها في قوله «وإن» والتي قبلها وردت في حق اليتامى في قوله تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم ...}» ص: 598. إلى هنا ليس هنالك جديد، ولكن تأمّل العبارة التالية جيداً.
قال شحرور: «وقد عرّفنا اليتيم في مبحث الوصايا بأنه فاقد الأب فقط، وقاصر أيضاً دون سن الرشد، فهذا يعني أن أمه على قيد الحياة، وليست طاعنة في السن».
هذه العبارة انطوت على ثلاثة أمور فاسدة:
الأول: أن اليتيم من فقد أباه فقط، فهذا يقتضي أن من فقدهما معاً لا سيما يتيماً، وهذا خلاف معنى اليُتم، صحيح أن الأصل في اليتم هو فقد الأب، لكنه لو فقد أمه بعد أبيه أو قبله، لا يتغير من وصفه شيء، فلا معنى لقوله: (فقط). إذ العبرة بموت الأب.
الثاني: حياة أمّ اليتيم، إذ لا يلزم من موت الأب حياة الأم، فربما كان قد فقدها قبل أبيه، أو بعده.
الثالث: كونها ليست طاعنة في السن، فهو فرض اعتباطي كما هو واضح. لأن أم اليتيم قد تكون ولدته وهي ما بين الأربعين والخمسين، ولو أضفنا إلى عمرها عمر القصور (عند البنت) ـ الذي يراه شحرور أبعد بكثير من التاسعة ـ ولنفترض أنه 17 عاماً، عندئذ يكون عمر المرأة أكثر من ستين عاماً، وهذا السن لا يؤهلها للزواج، حتى لو قلنا إنها ليست طاعنة في السن. إذ لا فرق بين عدم الأهلية للزواج بين كونها طاعنة في السن، وكونها تجاوزت الخمسين أو الستين.
وقد يستغرب القارئ الكريم: كيف يمكن لباحث أن يقع في مثل هذه الأخطاء الفاضحة؟
الجواب: أن المراد بهذا التمهيد والفرضيات غير اللازمة، أن تكون «أمّ اليتيم» موجودةً، وصالحة للتزويج، كي ينحصر تعدد الزوجات في أمهات اليتامى فقط.
أما دليله في صرف اللفظ (النساء) عن عمومه ( وهو الأصل) وتخصيصه في «أمهات اليتامى» فهو ما زعم من عدم صلاحية ربط الجواب بالشرط، أي أن قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} أجنبي تماماً عن قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا اليتامى}. فكيف الشرط في اليتامى، والجواب في عموم النساء؟
وسوف أترك مناقشة هذا (الدليل) إلى الحلقة التالية، إلا أنني لا بد أن أنبه أن هذا (الدليل) بحذافيره اعتمده السيد الحيدري في محاضراته عن تعدد الزوجات، وانتهى لذات النتيجة التي انتهى إليها شحرور، فكان مقلداً له في المقدمات والنتائج.
وبما أن محاضرات السيد الحيدري في هذا الموضوع كثيرة، فسوف أكتفي بإدراج الأولى منها، ومن شاء متابعة ما تبقى منها فهي منشورة بالتسلسل، لا سيما الأخيرة منها التي ذكر فيها نتيجة بحثه، وربما أدرجها أيضاً إن استطعت إن شاء الله.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat