كيف يجعل الدين من السعي للمصلحة العامة ، سعياً للمصلحة الخاصة على المدى الطويل
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الصيغة التي طرحتها السماء هي أنَّ الفرد عليه أن يسعى ما دام حيًا للمصلحة العامة، لكن السعي للمصلحة العامة هو مصلحةٌ خاصةٌ، الدين يغيّر المفهوم، يقول: أنت تعتبره مصلحة عامة لكنها مصلحة خاصة، المصالح العامة التي ندعوك لتحقيقها هي في الواقع مصالح خاصة، لكن لا على المدى القصير بل على المدى الطويل، فهناك حياتان: حياة قصيرة، وحياة طويلة هي الحياة الأساسية، من أجل أن نضمن عدم التناقض بين المصالح الخاصة والمصالح العامة، من أجل أن نضمن عدم التعارض بين النزعة المتأصلة في الإنسان وهي غريزة حب الذات وبين تحقيق المصالح العامة، يقول الدين: عليك - أيها الإنسان - بتحقيق المصالح العامة، وهذا التحقيق هو مصلحة خاصة، لكن على المدى الطويل، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾، ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾.
نستفيد من هذا الدليل ماذا؟ أصول الدين خمسة: التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، المعاد، هذه الصيغة تحلّ ثلاثة أصول: العدل والنبوة والمعاد، كلها ترتبط بهذه الصيغة، كلها ترتبط بهذا الدليل الكلامي، كيف؟ لولا عدالة الله، لولا أن الله عادل لما ضمن السعي للمصلحة العامة على المدى القصير بمصلحة خاصة على المدى الطويل، هذا الضمان تعبيرٌ عن العدالة الإلهية، مقتضى عدالته تبارك وتعالى هو التعويض، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، مقتضى عدالته أن يقول: اسعَ أيها الإنسان للمصلحة العامة وسأحوّلها لك إلى مصلحة خاصة على المدى الطويل، التعويض مقتضى عدالته. إذن، هذه الصيغة ترتبط بالعدالة.
وفي نفس الوقت ترتبط بالنبوة، لأن صيغة التوفيق بين المصالح الخاصة والمصالح العامة هي عبارة عن النظام الذي نزل من السماء على يد الأنبياء والرسل. وفي نفس الوقت هذه الصيغة تقتضي وجود يوم آخر يتمّ فيه التعويض، تعويض السعي للمصلحة العامة بالمصلحة الخاصة، إذن هذه الصيغة تقتضي يوم المعاد، صيغة واحدة نستدل بها على ثلاثة أصول: العدل والنبوة والمعاد.
نحن نريد أن نخرج من هذا الدليل الكلامي إلى ما هو جوابٌ عن مسألة الشرور، فنقول: كما أنَّ السعي لتحقيق المصلحة العامة هو مصلحة خاصة للإنسان على المدى الطويل، كذلك تحمّل الشرور والآفات والكوارث هو مفسدةٌ خاصةٌ على المدى القصير لكنه مصلحة خاصة على المدى الطويل. أنت مأمور بأن تتحمل، القرآن الكريم يقول: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾، صبرك وإن كان فيه ألم موضعي، ألم وقتي، ألم لمدة ثلاثين سنة، خمسين سنة، سبعين سنة، هذا الألم وإن كان شرًا وقتيًا ومفسدة خاصة وقتية، لكن هذا الألم نفسه هو مصلحة خاصة دائمة، ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
السيد ضياء الخباز
محاضرة ثنائية الخير والشر
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat